بقلم: آملة البغدادية – خاص مشروع عراق الفاروق
لا شك أن قراءة التاريخ ودراسة الأحداث والأزمات التي عصفت في الدول يعتبر
ضرورة ملحة للوصول إلى أسرع الطرق وأنجحها في معرفة الأخطاء الإستراتيجية ومعالجة
المعوقات والمخاطر التي تواجه الأمة أينما كانت ، وما أبينه هنا هو محاولة لرصد
أوجه التشابه والاختلاف التي لاحظتها أبان الحكم الديمقراطي في تاريخ أمريكا
الحديث والعراق الحديث، من حيث الصدامات الدموية التي واجهت الشعبين في هاتين الحقبتين
وتطوراتها .
للتعريف : كوكلوكس هي منظمة مناهضة لحقوق السود في جنوب أميركا بعد إعلان
الولايات فيها ، وفوزهم بمقاعد انتخابية في الكونكرس مما أثار حفيظة البيض أبان
انتهاء الحرب الأهلية في مرحلتها الأولى بين الشمال والجنوب ، وقد أُنشأت عام 1866 في ولاية تنسي وامتدت بسرعة إلى ست ولايات
أخرى . هذه المنظمة ارتكبت من الأعمال الإجرامية ما زاد الطين بلة في ولايات
الجنوب التي كانت تعاني من الدمار والنهب والقتل وضنك العيش . بدأت أعمالها بطريقة
استفزازية بلباسها الأبيض وقبعتها التي تخفي الوجه كنوع من التستر على هوية
أفرادها ، ورغم وجود جدل حول (نبلها) من قبل جمعية تعنى بالأبحاث التاريخية في
ولاية ألباما (TAHRIF) ، فما نُشر عن
أساليبها الإجرامية كافي لوصفها كمنظمة ( إرهابية )، حيث كانت تجوب أحياء السود
وتحرق الكنائس والمدارس وتخرب البيوت ، حتى وصل بها الأمر إلى شنق وإحراق
المواطنين بداخلها رافعة رايات وصيحات عنصرية . لم يقتصر هجمات هذه المجموعة على
السود بل تعدت إلى البيض الذين يؤيدون حقوق السود أو من الذين يدافعون عنهم في
القضاء والمنابر السياسية ، وقد تطورت هجماتهم إلى أعمال مسلحة واسعة مستعملة كل
أنواع الأسلحة من الخناجر والبنادق والقنابل ، ولم تكد تتوقف ألا بتصدي حاسم من
قبل الكونكرس بلقاء سري بين الرئيس الولايات المتحدة وبين رئيس المنظمة ، وتم
الاتفاق على حلها بعد مواجهات مسلحة أنهكت الطرفين وعمت الخراب والفوضى في ولايات
الجنوب .
إن من أهم أسباب قوة هذه المنظمة
ــ التي تعددت فيما بعد إلى مجموعات فرعية دينية متطرفة ــ هو انضمام كبار المجتمع
من محامين وقضاة ورجال الشرطة حتى وزراء ، مما خدم استمرارها مدة 3 سنوات وتواصلها
في كل ولاية من ولايات أمريكا بإعلان (إمبراطورية خفية) تحكمت بالسياسة إلى أبعد
الحدود مؤيدة للنظام الديمقراطي . مع أن المنظمة لم تنحل فعلياً إلى أن توفي
مؤسسها (فورست) عام 1877 ، إلا أنها ظهرت مجدداً عام 1915 بموجات ثأرية كمظهر من
مظاهر الهيمنة المركزية المسلحة على البلاد .
إن هذا الموجز يجعل من الضرورة المقارنة والبحث عن الأزمات التي تعصف
بالعراق الحديث في عصر الديمقراطية الأمريكية والنفوذ الإيراني ، والتي جاءت عن
طريق الانتخابات التي لم تجد فيها الأحزاب السياسية بداً من تشكيل وإدامة وسيطرة
المليشيات التابعة لها بالترهيب لا بالترغيب بعيداً عن المنطق غير الملزم لها .
من أوجه التشابه بين منظمة (كوكلاكس كلان ) والمليشيات في العراق سواء
مليشيات جيش المهدي أو بدر أو البيشمركة أو حزب الله وغيرها ، فهي كلها ارتكبت
أعمال إجرامية من قتل وحرق وتهديم وترويع للسكان لفرض الهيمنة على المناطق كافة لا
سيما مناطق السنة ثم مناطق الأقليات من نصارى ويزيدية وغيرهم ، ولمدة عامين ، ومن
أوجه التشابه أن زعاماتها هم كبار الساسة والمتنفذين في الحكم ، كما أن جل هجماتها
ترتكب في الليل . يبقى أبرز وجه للتشابه هو كونها دولة داخل دولة تماماً ك (إمبراطورية
خفية) ينظر أفرادها لها بقدسية متناهية لدواعي عقائدية قبل أن تكون سياسية .
لكن من أوجه الاختلاف
أن المليشيات في العراق تمارس هجماتها ــ بعد محاربة
القوات الأمريكية لها بعد عام 2007 ــ بلباس عسكري بغطاء قانوني لأفرادها بعينهم
بعد أن تم ضمهم للقوات المسلحة ، عدا البيشمركة ، ومن أبرز أوجه الاختلاف أن
الكوكلاكس كلان كانت رد فعل رافض لغياب الهيمنة البيضاء على الجزء الجنوبي من
أمريكا الذي كان جل سكانه هم العبيد السود ، وبغض النظر عن حقيقة كونها عنصرية
إرهابية سعت لإبادة العنصر الأسود ، إلا أنها نجحت في اتفاق الجميع على ضرورة الجلوس
والتحاور لوقف العنف ومظاهر الاقتتال الأهلي والنظامي على حد سواء .
النقطة الهامة هنا ؛ مع أن دواعي ظهور الكوكلاكس كلان كان لاعتراض على
قرارات إعادة التنظيم السياسي في أميركا بعد إنشاء الولايات والانتخابات ــ وكذلك
لحماية أفرادها بحسب ادعاءهم ــ بعكس المليشيات في العراق فكانت نشأتها خارج
العراق ، وجل هجماتها وأفظعها دموية كان بعد الانتخابات ، ولم تكن هجماتها لأسباب
سياسية بحتة ، بل عقائدية بالدرجة الأولى عدا البيشمركة ، مما يجعلها أكثر خطراً
وديمومة تبعاً للعقيدة التي شكلت على أساسها القوات المسلحة الجديدة ، والتي راحت
تتخلص من عناصر الجيش السابق والحزب السابق بلجان وبقتل منظم واعتقال بدليل
وبعشوائية جنونية .
من المعلوم أن الوصول إلى الهدف ينفي دواعي بقاءها ، فقد تم حل (الكوكلاكس
كلان) وحرق أغلب ملفاتها وممتلكاتها العينية من خناجر وأحزمة وملابس وغيرها بعد
تعهد زعيمها مع الرئيس الأميركي شخصياً ــ
لضمان عدم انتماء في شخص غيره ــ بعد
مواجهات الجيش النظامي مع فرسان المنظمة ، فكيف بمليشيا يكون الرئيس فيها يرعى
البيشمركة ؟ وآخر يرعى بدر ويؤيد جيش المهدي سواء ابراهيم الجعفري أو نوري المالكي
؟
والسؤال الملَح في ظل غطرسة وهيمنة المليشيات على الحكومة العراقية ، بل
تحديها وتحذيرها من خلال القنوات الفضائية بالإفراج عن أفرادها من السجون ، وإلا !
، نقول :
متى يفهم الشعب العراقي خطورة التعايش مع دولة ترعى الإرهاب وتغذيه بسفك
المزيد من الدماء ؟
وكيف يمكن التعايش مع عقيدة تصدر هذه المليشيات إلى خارج
العراق حسب الخطة المرسومة لهيمنة إقليمية باسم حب آل البيت ؟ ، وكيف يمكن وقف
سلسلة الثارات التي تهيمن على المشهد العام في العراق ساحبة معه تاريخ الماضي
والحاضر إلى المستقبل ؟
أسئلة تضع صورة واضحة لخطورة الوضع في العراق في ظل أحزاب متعددة وعقائد
متناقضة ، ولا يمكن أن تحل إلا بجرأة واعية عامة على ضرورة تغيير الأرضية التي
بنيت عليها العملية السياسية بمنع الأحزاب من الوصول للحكم ، مع منع مزدوجي
الجنسية لتولي أي مركز في السلطة لحجب التسلط الإيراني الصفوي ، وهذه كخطوة أولى
لتغيير الدستور الذي بني على دولة المليشيات . وبعكس هذه الحلول فالعنف مستمر
والدماء والانتهاكات لن تتوقف لا في العراق ولا خارجه ، والله المستعان .
الأحد 20/1/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق