د. سامي الجنابي:: خاص بالقادسية
عقب
التصريحات الاخيرة التي ادلى بها ائتلاف دولة القانون في السعي لتاليف حكومة اغلبية
(شيعية) وفي أعقاب الأخبار التي تشاع بين الحين والآخر حول فشل المحادثات بين الكرد
والشيعة، وانشاء ما يسمى بقوات دجلة في المناطق
(المتنازع عليها) لاسيما بعد السعي الحثيث
والعاجل لعقد صفقة الاسلحة بين الحكومة العراقية وروسيا الاتحادية واغراض هذه الصفقة
ودلالاتها بغض النظر عما اعتراها من فساد مالي
. تثار وبشكل متزايد تساؤلات وتكهنات حول أوضاع كل من الكيانين الكردي والشيعي في تداخلهما وتعارضهما وفي ارتباطهما وانفصالهما
ومدى تأثير هذا التداخل والتعارض على سنة العراق ومستقبلهم السياسي.
وتزداد
حدة هذه التساؤلات والتكهنات مع اقتراب موعد انتخابات المجالس المحلية الذي تقرر ان يكون في العشرين من شهر نيسان من عام
2013 والذي ربما يؤدي الى تغيير في حقيقة
القوى الحزبية ونفوذها الشعبي والذي سيؤدي
حتما الى تغيير خارطة القوى السياسية على مستوى البرلمان ورئاسة الوزراء في الانتخابات
البرلمانية القادمة .
وبالمقابل
غدت الهوية العراقية من الوجهة السياسية والاجتماعية أكثر التصاقا بمواقف آنية وتكتيكية
لاغراض انتخابية ومكاسب ضرورية للبقاء داخل مؤسسات السلطة وليس داخل حدود العراق الذي
فقد قيمته واعتباره كوطن في شعور وحسابات ومبادئ
الحكام الجدد من امثال امين بغداد الجديد الذي داس على الجنسية العراقية قائلا هذه
الجنسية التي حرمني منها صدام وارجعتها لي ايران
.
كما انها(الهوية العراقية) غدت أكثر ضعفاً من ذي
قبل بسبب الشحن الطائفي الذي تمارسه الحكومة وادوات اعلامها والفضائيات الطائفية التي
تنال وتطعن برموز السنة الليل والنهار بحجة فضائل آل البيت وحكاية تاريخهم .وباجرااتها
التعسفية ضد سنة العراق وتهجيرهم في الداخل والخارج ، واصدار الاحكام القضائية الباطلة بحقهم، وفي ظل المداهمات والاعتقالات التعسفية، والاقصاء الوظيفي المتعمد وتهميشهم الاجتماعي ،حتى
اصبح السني يشعر انه مواطن من الدرجة الثالة
او الرابعة بعد اليزيديين والصابئة .حيث انه يمشي في شوارع بغداد كانه غريب يخشى ان
تلصق به اي تهمة من اجهزة الامن او المليشيات التي تتزيا بزي قوى الامن .
مما ادى بسنة العراق للتفكير بانشاء مرجعية توحدهم و تحفظ حقوقهم وتدافع عنهم في اقليم سني في اطار العراق الواحد .
وعموماً، فإن السباق سيكون على أشده في الايام والاسابيع المقبلة بين مجموعة العناصر
المكونة للازمة الراهنة على المستوى الداخلي
: الشيعة والكرد والسنة .
وعلى المستوى الخارجي ايران كفاعل اساسي في العراق
لايواجهه اي منافس من حكومات المحيط السني ، وأن هذا السباق مالم تظهر بعض المفاجات
كسقوط النظام السوري مثلا او ضربة موجهة لايران
سيكون محدد النتائج منذ الآن وهو في صالح شيعة العراق بما ان مقاليد الحكم وعناصره
الرئيسية من المال والاعلام وقوى الامن بيدهم.
وعلى
المستوى ذاته فقد تبرع المالكي قبل ايام ب200الف
برميل من البترول للاردن الشقيق ،وبلغة المصالح هذا التبرع له ثمن والبعض احتسب الثمن
ان يكون تعديلا لسياسة المملكة ازاء الوضع في سوريا تاييدا لبشار واغلاقا للحدود امام
اللاجئين ، ومن البعيد في نظري ان يكون هذا هو الثمن، وغالب الظن ان المالكي اراد ان
يستغل الوضع الحكومي الاردني الذي يعاني من شحة الموارد وضعف الميزانية والبطالة
والفقر الذي اصبح السمة الغالبة للمجتمع الاردني،
بمقابل ان تعيد الحكومة الاردنية علاقتها باطياف المعارضة العراقية التي وجدت
في الاردن خير ملجا لها من ملاحقات حكومة المالكي ، فتقوم بطردهم من المملكة ، سيما
ان الاردن يعج برؤوس كبيرة من القيادات العراقية السنية السابقة العسكرية والمدنية والاعلامية والدينية ، و التي يتمنى المالكي القبض
عليها باي ثمن من الاثمان او شراءها .المالكي يعتقد اليوم انه ببراميل البترول هذه
يستطيع ان يقطع العمق الاردني السني عن سنة العراق لينفرد بهم بالاغراء او الاقصاء
، كما انه يعتقد انه بالمليرات التي بين يديه يستطيع ان يشتري اكبر الرؤوس كما فعل
في روسيا ، ويجير الجميع لمصلحة سلطته المرفوضة داخل العراق الا من ابناء طائفته .
اما
تركيا ودول الخليج فيبدو انها لاتزال مشغولة بالشان السوري متناسين ان انتعاش سنة العراق
له دور كبير في حل المعضلة السورية.
وبالعودة
الى الى التوازنات الداخلية فانه يجب القول بان الكرد والائتلاف الشيعي متفقان عل نقطتين
اساسيتين :
الأولى : القفز على نتائج اتخابات عام 2010 بحجة حكم المحكمة الدستورية لصالح الائتلاف
الشيعي يومها .
والثانية : محاولة إيجاد حل لمشكلات الاقليم الكردي
السبعة وهي : تفعيل المادة 140 من الدستور ،وقانون النفط، ومشكلة البيشمركة، والمناطق
المتنازع عليها ،وعلاقة الاقليم بالمركز، وحرية حركة الجيش في الاقليم ، ووصول حصة
الاقليم من الميزانية غير منقوصة.
وهكذا
فإن هذه المحاور هي الأكثر جوهرية بالنسبة
للطرفين، اما قضية السنة فان الائتلاف الشيعي وحكومة المالكي ينظرون للسنة حتى الآن على قاعدة أن ميزان القوى الذي خلفته انتخابات
2010 لايزال قائماً، وأن القائمة العراقية
ممثلاً للجانب السني، انخرطت في العملية السياسية بعد أن اصطدمت بـ «الجدارالكونكريتي» للائتلاف الشيعي . وأن أولويات المطلوب من المهزوم
هو الإقرار بالواقع والتعامل معه كما هو لا كما يتخيله المهزوم.
واما الكرد فقد حاولوا انصاف السنة وضمان مطالبهم الانفة الذكر بعقد مؤتمر اربيل وتوقيع
اتفاقية اربيل بين الاطراف الثلاثة وبذلك قد برؤوا ذمتهم والقوا الكرة في ملعب الائتلاف
الشيعي باعتبار الاعتماد على التعهد الاخلاقي لاغير .
ولهذا
السبب، لم يخطئ كثيراً مَن قالوا أن اتفاقية اربيل وُلِدت ميتة، لأنها لم تكن تنطوي ومنذ البداية على
ضمانات ملزمة بل انطلقت مبنية على حسن النية
التي لاتصلح في المنطق السياسي ان تكون قاعدة التفاوض السياسي او مبتناه، مهما كانت
الاجواء السياسية ايجابية ، وهذا مايفسر عدم
الانتباه لما ذيله المالكي بعد النقطة التاسعة عشرة حينما كتب بحرف صغير كلمتين تبطل
جميع البنود الماضية ليفوز هو بموافقة الكرد على رئاسته للوزراء وتشكيل الحكومة، حيث
كتب / بشرط موافقة البرلمان والبرلمان اغلبيته في جيب المالكي.
والواقع أنه في أحسن الأحوال لا يمكن توقع موافقة
المالكي على المطالب الكردية المذكورة انفا،
فالمنطلقات التي ينطلق منها الطرفان متباعدة تماماً، ولايملك هو وخبراؤه أي حل جوهري لحل الازمة المستعصية في ظل تصريحات
خطيرة من الطرفين ، سوى الرهان على مليون ونصف من افراد الجيش والقوى الامنية الذين
يستنزفون خزينة الدولة العراقية حيث يصرف 80 بالمائة من الموازنة كرواتب لهذه القوى
غير مخصصات التسليح .دليل هذا الكلام ماجاءت به الاخبار من تراجع المالكي عن الاتفاق
الاخير الذي توسط به النجيفي والقاضي بتراجع الطرفين في المناطق المتنازع عليها الى
الاتفاق المبرم سنة 2009ولم يجف حبر الاتفاق حتى نقضه المالكي مرة اخرى .
ولكن
بتغيير زاوية النظر للتحالف الاستراتيجي بين الطرفين نجد انهما محتاجان لبعضهما وهما يستظلان بظل مكاسب تاريخية
لم يحلما بها، وانه لمن العسير التراجع عنها. فللمرة الأولى يحظى اقليم كردستان بتطور
عمراني ورخاء اقتصادي وحرية ساسية وطمأنينة امنية يتميز بها على الجنوب والوسط العراقي
. بينما
يمسك الشيعة بزمام السلطة في العراق لم يحلموا بها منذ مئات السنين وفي ظل الارتفاع الكبير في عوائد النفط ووجود جارة قوية تدعمهم
.واما التصعيد الاعلامي من الطرفين فهو من استحقاقات مرحلة الانتخابات القادمة ، ولقد
استطاع كل طرف ان يحقق استقطابا جماهيريا ملحوظا فجماهيرية المالكي زادت عند الشيعة
بل وحتى اطرافا انتهازية من عرب السنة وكذلك الجانب المقابل استطاع ان يكتسح الشارع
الكردي فيصل الى اعماق السليمانية التي هي محسوبة على حزب الطالباني . والسؤال الجوهري
هل يستطيع الكرد الذهاب الى ابعد من ذلك ويديروا ظهورهم للشيعة ويفكوا الارتباط باتجاه
تكوين حلف جديد مع العرب السنة باعتماد التوحد المذهبي والثقافي بين العرب والكرد ويعملوا
على احياء التلاحم الكردي العربي التاريخي ، سيما وقد تخلصوا الى حد كبير من عقدة الاضطهاد
واصبحوا من اسياد العراق بتسلمهم لمنصب الرئاسة وغيره من المناصب ؟
في تقديري
انه في المرحلة المقبلة سيكون التنافس على اشده بين المالكي والكرد على طلب ود العرب
السنة على اساس انهم يمثلون في المعادلة الحالية بيضة الميزان .
هذا
، ورغم إحساس المالكي بالفشل وخيبة الأمل في ظل الاوضاع الامنية المتدهورة، والتي لم
يستطع مع كل الامكانات المادية من السيطرة عليها ، إلا أنه في الوقت ذاته يحدوه الامل
بترسيخ وجوده في ظل قوى سنية مشتته لم تحزم لحد الان امرها بايجاد مرجعية سياسية دينية
تجعل منهم قوة مهابة الجانب تضطرهم للتفاوض واعطاء التنازلات .مع أن هناك إقرارا من قبِل المالكي، ولو ضمنياً، ليس
بشرعية وجود السنة، وإنما بقبول التعاطي معه كأمر واقع لا على اساس الاستحقاقات الطبيعية
بل على اساس الاحتواء باستقطاب مجموعة من الانتهازيين كممثلين لسنة العراق داخل دولة
القانون او داخل المنظومة الشيعية المعروفة بالائتلاف الوطني الذي يحكم العراق .
وهم
في كل الاحوال يعاملون من قبل حكومة الائتلاف الشيعي كاقلية(كما روجوا) لاقيمة لها
في موازين القوى والتحالفات الاستراتيجية بين الكرد والشيعة . لاسيما وقد تخلص التحالف
الشيعي بتحالفه مع الكرد السنة من عبء أمني ديموغرافي كانت لها مصلحة جدية في التخلص
منه وتحييده في معركته مع السنة العرب وبذلك استطاع ان يظفر بالاغلبية في كل الاحوال
.
الا
ان المفاجي هو ظهور لاعب جديد في الجوار العراقي الا وهو الثورة السنية المظفرة في
سوريا والتي اقتربت بحول الله من الظفر والتمكين والتي جعلت الاطراف جميعا تعيد حساباتها
من جديد .
والاقوى من جميع هذه المفاجات جميعا والذي سيغير من جميع المعادلات
هو ظهور تكتل سني عراقي طال انتظاره وبالهوية السنية كمرجعية دينية وسياسية يشرف على ادارة شؤون السنة ضمن اقليم سني عربي في
اطار العراق الواحد كاستحقاق دستوري تعترف جميع الاطراف بقانونيته ودستوريته. ومن الحكمة
لجميع الاطراف الداخلية والاقليمية التعامل معه بايجابية قبل ظهوره وبعد ظهوره لانه
سيمثل مرحلة تاريخية جديدة في المنطقة يعيد صياغة النفوذ الاقليمي والدولي من جديد
والله الموفق لا رب سواه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق