بقلم/ الشيخ الدكتور طه حامد الدليمي
بيني وبين (تلعفر) علاقة حب بدأت عام 1997.
هذه المدينة التي انطلقت منها ثورة (العشرين) في 3 حزيران/1920 يوم ثار أهلها بمعية (الجيش العربي) القادم من سوريا بقيادة جميل المدفعي، وأبادوا الحامية البريطانية في قلعة تلعفر، وتقدموا إلى مركز محافظة نينوى. لكنهم لم يتمكنوا من دخولها بسبب سلاح الجو فانسحبوا راجعين. كان ذلك قبل تحرك الشيعة في رميثة السماوة بحوالي شهر؛ طبقاً لما ذكره الدكتور علي الوردي في كتابه (لمحات اجتماعية) في الجزء المخصص للثورة([1]). لكن الوطنين لا يثيرهم سرقة الشيعة للثورة؛ فـ(الشيعة إخوان السنة)، و(الشيعة العرب غير الشيعة الفرس). ويدسون رؤوسهم في التراب عن علاقة إيران بتلك الثورة وكيف أثارتها واستثمرتها لصالحها فلا يتطرقون إلى ذلك بكلمة. وإذا كانت تلعفر منطلق ثورة العشرين قديماً، فهي منطلق أول تجربة رائدة في الاتجاه الصحيح لمواجهة الشيعة وعزلهم عن السنة حديثاً. وهو الهدف الاستراتيجي لمشروعنا، ولا نرى للشيعة في العراق وغيره من الأقطار التي غزاها وباء التشيع علاجاً سواه.
زرت (تلعفر) عدة مرات منذ ذلك الحين، وتنقلت في أرجائها، ودخلت بيوت العديد من أهلها. ورأيت بعيني وسمعت بأذني كيف غزاها الشيعة معتمدين على سذاجة الوطنيين وغبائهم، وغفلة العاملين من الدعاة وشيوخ المؤسسة الدينية – إلا ما ندر - وجمودهم وعجزهم. فتلعفر مدينة سنية بامتياز حتى منتصف القرن الماضي، لا يوجد فيها من الشيعة سوى نسبة قليلة، من الطائفة (العليإلهية) أصلهم من تركيا يُعرفون باسم (الماوَلِّية) أشبه بالمنبوذين من المجتمع العفري. ثم بعد ذلك بدأت قصة التشييع بحيث وصلت نسبة الشيعة بعد نصف قرن إلى حوالي الثلث!
فكيف حدث هذا؟ وأين أهل السنة؟ أين العاملون؟ أين العلماء والدعاة؟ أين المفكرون؟ أين حملة القضية؟ أين الناظرون بنور الله؟
إحدى تلك الزيارات خصصتها لدراسة ميدانية تبحث عن هذا السر أولاً، وعما يجري في الواقع ومآلاته ثانياً. ولخطورة ما لمسته بنفسي أوصلت الدراسة إلى جهات رفيعة في الدولة أملاً بالتحرك واتخاذ ما يلزم من التدابير لمعالجة الخطر الداهم؛ فتلعفر أمست بؤرة لمؤامرة إيرانية ينفذها أحزاب شيعية بالتنسيق مع بعثيين شيعة يمارسون دور المدبر والمنسق والمتستر على المؤامرة. وأبشركم أن الجهات المعنية لم تتحرك ولم تتخذ أي إجراء في سبيل الوقوف بوجه تلك المؤامرة الخطيرة. ربما لقصر المدة، وهذا من باب التماس العذر لا أكثر. لكن السؤال المنطقي: أين كانت الدولة من هذ المؤامرة طوال عقود من هذا العبث لا أقول بديموغرافية المنطقة؛ فالتشيع والتشييع لا يهم أصحاب الفكر الوطني، إنما بالأمن القومي للدولة؛ فالشيعة بطبيعتهم يعملون لصالح إيران أولاً، ولكل دولة خارجية يمكن أن تؤدي إلى قلب نظام الحكم. فأي حركة تشيعية أو تشييعية تعني التآمر على النظام القائم. وهنا يتبدى للناظر أي تخلف وأي سفاهة يتمتع بها ذلك الفكر الاستحماري الخطير!
الدراسة تكشف بوضوح عن حماقة الفكر الوطني، وغباء الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق: الملكية والجمهورية والبعثية طوال ثمانية عقود، وكيف عمل هذا الفكر المتخلف كحمار أصيل حمل على ظهره الشيعة وأوصلهم إلى أبعد نقطة في ربوع السنة! كما تعطي الدراسة إجابة لا بأس بها عن السؤال الذي يرد إلى ذهن الكثيرين: كيف انتشر التشيع في العراق؟
أجنحة الفكر الوطني الثلاثة وغيبوبة الفكر الرابع
إن الفكر الوطني بأجنحته الثلاثة: الإسلامي والقومي والليبرالي شارك مشاركة فاعلة في نشر التشيع وتعبيد الطريق أمام جحافل الفرس كي تصل إلى العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج، وغيرها من الأصقاع القريبة والبعيدة.
فالإسلاميون يعتبرون إيران دولة إسلامية، وبعضهم مرتبط بمعاهدات أمنية وعلاقات ثقافية واقتصادية أدخلت إيران في لب المنظومة الإسلامية وصلب مفاصلها الخطيرة.
والقوميون وإن كانوا خيراً من الإسلاميين في موقفهم من إيران بحكم التناقض الذاتي بين العروبة والشعوبية، لكن غباءهم المتمثل في اتخاذ القومية معياراً في التقييم والولاء والبراء قادهم تلقائياً وحتماً إلى التفريق بين الشيعة العرب والشيعة الفرس أو العجم، مع أن الدين بطبيعته، عدا اليهودية، عابر للقوميات. وهكذا حمل الشيعة العرب – وكثير منهم فرس وإن حملوا الجنسية الوطنية – في أحشائهم الشيعة الفرس وأوصلوهم إلى المنطقة، تماماً كحصان طروادة.
أما الليبراليون فهؤلاء غارقون في أحلام لا تمت للواقع بصلة، يتكلمون بمفاهيم ونظريات محلقة هي كالأماني؛ فهم – بطبيعة الحال – وطنيون لا يفرقون بين شيعة وسنة. لقد آن الأوان لـ(الفكر الرابع) أن يتسيد الساحة خصوصاً في العراق والشام والخليج بما فيه الأحواز. هذا زمان (الفكر السني) الذي افتقدته الساحة طويلاً. والدراسة شاهد لا يكذب على تخلف الفكر الوطني بأجنحته المتكسرة الثلاثة.
إليكم تلك الدراسة الميدانية كما كتبتها يومذاك، أي قبل اثنتي عشرة سنة، مع ملاحظة أني كنت أستعمل بعض العبارات المخففة مثل (المتشيع فارسياً) بدل (الشيعة)، و(التشيع الفارسي) بدل (التشيع) مداراة للوضع السياسي والثقافي العام؛ فالحكومة والحزب والدوائر المرتبطة بهما تمنع منعاً باتّاً استعمال كلمة (الشيعة والسنة)، وكل الكلمات والعبارات المشابهة التي تندرج في عرفها تحت وصف (الطائفية):
بسم الله الرحمن الرحيم
انطلقت يوم 29/7/1423 – 6/10/2002 إلى الموصل وكان الهدف المنشود قضاء (تلعفر) تلك المدينة الرابضة بشموخ til2على رابية من الأرض على بعد ستين (60) كيل إلى الشرق من مدينة الموصل مركز محافظة نينوى. وصلت قبل مغيب الشمس ونزلت عند صديق تعرفت عليه عام 1997 حين زرت تلعفر لأول مرة في عيد الأضحى ذلك العام. وكنت عرفت قبلها أن التشيع يغزو هذه المدينة التركمانية العربية الجميلة وينتشر منها إلى المدن والقرى المجاورة، وأن شخصاً اسمه الحاج أو الشيخ مصطفى محمد حمو إمام وخطيب (جامع محمد رسول الله ) يقف لهذه الحركة الشعوبية بالمرصاد. نزلت عند الشيخ ووجدته يحمل هماً كبيراً، ويشكو من تحالف المتشيعين فارسياً مع أصحاب التوجه الصوفي مستغلين سذاجة بعضهم وعدم إدراك أغلبهم لحقيقة المؤامرة، وتطيرهم من (الوهابية) هذه التهمة التي يرفعها الشيعة هناك – وفي كل مكان – سيفاً بوجه كل من يقف لشعوبيتهم بالمرصاد. وشكا إلي أيضا من انتشار الشعوبيين في الجهاز الحزبي جاعلين منه وسيلة لمحاربة أهل السنة والناشطين منهم على الخصوص، في الوقت الذي يتخذون من الحزب ستاراً يحتمون وراءه تمريراً أنشطتهم الشعوبية. وأبدى لي حينها تخوفه من فقدانه المنبر. فكان أن وقع ما كان يخافه ويتوقعه. وهو الآن معزول عن الإمامة والخطابة!
الحاج مصطفى حمو هو الصديق الذي نزلت عنده يوم 6/10/2002. ثم في اليوم الثاني التقيت عده أشخاص، وقمت بجولة في المدينة وما حولها. وذهبت كذلك الى قضاء سنجار المجاور للسياحة والتنزه.
نبذه تاريخية عن انتشار التشيع الفارسي في ( تلعفر )
في عام 1947 استلم رئاسة الوزارة في العراق رجل شيعي اسمه (محمد الصدر) ثم تسلم عام 1949 رئاسة مجلس الأعيان. ذهب وفد من ( تلعفر) حينها لتهنئته بمناسبة تسلمه منصب رئاسة الوزراء وكان الوفد برئاسة شيخ عشيرة (السادة الموسوية) محمد يونس عبد الله وهب آغا. وهي عشيرة قدمت من إيران واستوطنت (تلعفر)؛ ولذلك يلقبون هناك – ولا زالوا – بلقب (بيت العجم)، لكنهم يدينون بمذهب أهل السنة والجماعة.
أظهر محمد الصدر يومها استغرابه من كون (السادة الموسوية) من أهل السنة. ورجع الوفد إلا رئيسه محمد يونس آغا فإنه تأخر عدة أيام استطاع محمد الصدر فيها أن يقنعه بالعدول عن مذهب أهل السنة والتحول الى طائفة الإمامية الاثني عشرية! وكان مما شجعه على هذا التحول أن نزاعاً بين عشيرة محمد يونس وعشيرة أخرى هي عشيرة (القصاب) كان يدور حول أرض زراعية فساومه محمد الصدر على حسم قضية الأرض لصالحه، كما منحه عشرة آلاف (000, 10) دينار إضافة إلى ذلك. ليرجع بعدها إلى (تلعفر) شيعياً. ثم بعدها طفق يمارس دوره في نشر التشيع في تلك المدينة التي كان فيها قلة من الشيعة ينتسبون الى طائفة الـ(ماوَلِّية) وهم شيعة غلاة (عليإلاهية) يؤمنون بأن علياً إله، ولا يصلون بتاتاً؛ يقولون بأن علياً يصلي بدلهم.
من أوجد التعزية الحسينية في ( تلعفر ) ؟
مما ذكر لي الشيخ مصطفى حمو أن الذي شجع اللطميات والنياحة والتعازي الحسينية في تلعفر وأدخلها إلى المنطقة أول مرة في تاريخها هو ضابط أمن تلعفر عام 1963، شيعي اسمه زين العابدين أصله من كركوك!
سيد جواد أكبر ناشط شعوبي في ( تلعفر ) حالياً
استطاع محمد يونس أن يؤثر في شخص اسمه (ملا محمود) ويحوله إلى مذهبه الجديد وهو شخص معروف بتدينه ويرأس طريقة صوفية، وعنده ( تكية ) سرعان ما حولها إلى (حسينية) كانت أول حسينية في (تلعفر). كان ذلك في بداية الخمسينيات من القرن الماضي. أي قبل حوالي خمسين سنة.
ذهب (ملا محمود) بإيعاز من (محمد يونس) إلى النجف فترة وجيزة ليعود بعدها ويمارس بجد ونشاط دور تشييع أهل السنة في (تلعفر) حتى إنه حين مات دفن في حسينيته وبني له فيها قبر كبير كتبوا عليه العبارة الآتية أنقلها بنصها وقد ذهبت إلى هناك وقرأتها بنفسي. تقول العبارة بعد ذكر اسم صاحب القبر فلان بن فلان... (ناشر الإمامية في مدينة تلعفر وتوابعها). وهي عبارة تنضح بالطائفية، لا ينبغي أن تكتب. ورغم ذلك فهي مكتوبة بخط واضح بارز للعيان، يقرأها الغادي والرائح وتثير في النفس أحاسيس شتى! بعد أن مات (ملا محمود) تسلم قيادة التشيع بعده ابنه ( جواد) الذي انطلق به انطلاقته الكبرى.
جواد هذا - أو (شيخ جواد) - هو أنشط العاملين وأذكاهم، وأخطرهم، وأكبرهم سناً. ويعتبر هو المرجع الأكبر للشيعة في المدينة رغم فساده الخلقي. فاتني ذكر معلومة مهمة جداً، هي أن (الخميني) كان قد زار (تلعفر) عام 1968 ونزل عند (ملا محمود)، ولما سأله عن نسبة الشيعة هناك ورأى قلتهم أعطاه (ملا محمود) وعداً بتشييع المنطقة، وقال له: "سأسلمك تلعفر شيعة عام 2000".
الخطوط العامة لنشاط سيد جواد
سيد جواد رجل غني باذخ الغنى، يعمل الولائم الكبيرة ويمنح الهدايا المغرية؛ ما يمكنه من تكوين علاقات قوية مع الجميع لا سيما المسؤولين. يخرج من (تلعفر) شهرياً عدة أيام بصورة دورية. والسبب المعلن زيارة (النجف) و(كربلاء). ويرجح أن لديه اتصالات مريبة في (كردستان). يتردد كثيراً على القرى المجاورة كقضاء (سنجار). وله اتباع كثيرون يقسمهم ثلاث مجموعات:
مجموعة العلاقات: وظيفتها بتاء علاقات مع المسؤولين لتأمين الحماية الامنية له ولنشاطاته. من هؤلاء عباس أبزر (أي أبو ذر) و(حسن هابش) كان عضواً في المجلس الوطني (الدورة السابقة).
مجموعة الأغنياء: وظيفتهم جمع المال وصرفه على المشاريع الدعوية والعلاقات الاجتماعية. يأتي على رأسهم (محمد جولاق) و(عبد القادر عجم) وهو من أقارب سيد جواد.
مجموعة الدعاة: وظيفتهم نشر الفكر الشعوبي عن طريق المحاضرات البيتية واللطميات وكاسيتات وسيديات الوائلي وعبد الحميد المهاجر وغيرهما من دعاة التشيع الفارسي. يأتي على رأس هؤلاء (عباس بلال) و(حسين حداد) و(حسين عجانة) و(حسين بَلَو)، والطبيب (عباس قلندر)، والمهندس (سيد مختار) و(عبد الله وهب) حفيد (محمد يونس ). ومنهم رجل يدعى (غانم) من عشيرة الداؤودي) يتردد كثيرا على محافظة (ديالى) ويمارس نشاطه هناك في (قره تبه) وما حولها. وقد ازداد نشاط هؤلاء في الفترة الاخيرة خصوصا ًبعد اشتداد الأزمة بيننا وبين أمريكا بحيث صارت اجتماعاتهم شبه يومية! يحركهم (حسين حداد) بمعية (فارس شعبان) وشخص أعرج اسمه (أنور). وهناك نشطاء آخرون مثل (أحمد مسيب) الذي يحتاج إلى بيان خاص أتناوله بعد قليل.
حسينية سيد جواد بن ملا محمود، وقد تكلمنا عنه أنفاً.
حسينية يخطب فيها شخص يدعى سيد عبدالقادر الموسوي، واستلمها من بعده ولده واسمه سيد جواد.
حسينية الصادق: يديرها المدعو هاشم عنتر من عشيرة القصاب. وهو من عائلة سنية. ابن عمه إمام وخطيب سني في جامع (فاضل قدو).
حادثة مريبة ذات دلالة خطيرة
قبل أربع سنوات استأجر ثلاثة أشخاص مجهولين سيارة تكسي صاحبها سني من أهل تلعفر، اختاروه بسبب أن نمرة سيارته (كربلاء) متوهمين أنه شيعي. أول ما أثار استغراب السائق أنهم ركبوا سيارتة دون مساومة على الأجرة. وأثناء الطريق قال أحدهم لصاحبيه: "عجيب؛ تلعفر أبرد من شقلاوة"! مع أنهم أخبروه حين استقلوا سيارته أنهم قادمون من كربلاء! ولما سألهم: أنتم من كربلاء؛ فماذا تعملون في شقلاوة؟ وجدهم يتلكأون في الجواب. ثم أخرج له أحدهم ورقة من فئة (خمسين دولاراً) وأعطاه إياها قائلاً: "انت معليك – أي لا تتدخل – وخذ هذا المبلغ"([2]).
طلبوا من السائق التوجه الى بيت (سيد جواد) وظهر من سؤالهم أنهم يجهلون عنوانه. وحين أوصلهم إلى بيته وخرج عليهم لم يعرفهم، وكان استقباله لهم فاتراً كما يستقبل الغريب الغريب. لكنهم أخرجوا له قنينة، فلما رآها تغيرت لهجته فعانقهم مرحباً بحماس بالغ وأدخلهم داره. قالوا للسائق: ارجع إلينا بعد نصف ساعة. وبعد نصف ساعة رجع إليهم ليعودوا إلى الموصل. لكنهم هذه المرة طلبوا منه التوجه إلى كراج (الشمال)([3])! نما الخبر إلى مفوض أمن يدعى (بهجت)، الذي قدم بدوره تقريراً عن الموضوع إلى مدير الأمن. واستدعي السائق الذي اعترف هناك بكل شيء إلا مسألة الخمسين دولاراً. ولكن لم يحصل أي شيء لسيد جواد رغم ما يحمل الحدث من دلالة مريبة؛ والمطلعون على خبايا الأمور يقولون: إن ذلك بسبب العلاقة القوية التي تربط سيد جواد مع ضابط أمن تلعفر (الرائد عماد)، وهو من منطقة بغداد الجديدة في بغداد، أمه شيعية من النجف.
هذا وغيره يدلل على أن سيد جواد مرتبط بعمل منظم ينفذ بدقة وكل شيء فيه محسوب له حسابه. ويشير إلى أن هذا الشخص مريب، وأنه رأس أفعى خطير لا ينبغي أن يترك يصول ويجول متستراً بهذه اللافتة وتلك، ومستعيناً بهذا الشخص أو ذاك.
علماً أن سيد جواد يتهجم على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما قاله في حقهم من فوق المنبر: "لقد ارتد يوم الغدير ذلك اليوم الأسود مئة ألف صحابي". ولا زال يلقي محاضراته في مجالس التعزية (الفواتح) وفي حسينيته رغم أنه ممنوع رسمياً، ولكنه منع لا وجود له على غير الورق!
الحسينيات الناشطة
ثلاث حسينيات ناشطة في تلعفر وهي:
صرح هاشم عنتر يوماً من فوق المنبر ومن خلال مكبرات الصوت بتحريف القرآن، ونسب آية مخترعة إلى كتاب الله ونصها (والذين آمنوا وآووا ونصروا ولم يهاجروا فأولئك هم المؤمنون حقاً)، قائلاً: هذه الآية نزلت في (أبي طالب)! فتصدى له الشيخ مصطفى حمو (رحمه الله) إمام وخطيب (جامع محمد رسول الله)، من خلال منبر المسجد. فاشتغلت ضده أقلام وكلاء الأمن والبعثيين – ومعظمهم شيعة – فأجري معه تحقيق رسمي، كانت نتيجته أن فصل الشيخ مصطفى من وظيفته وأوقف شيخ الحسينية عن إلقاء المحاضرات.وقد صدر الأمر من قبل أمين سر فرع الحزب في تلعفر (إسماعيل الخطاب)([4]). ونفذته مديرية الأوقاف في نينوى بعد إجراء تحقيق شكلي. لكن المفارقة أن الحسينية غير مرتبطة رسمياً بالأوقاف؛ فنفذ الأمر على الشيخ السني دون الشيخ الشيعي الذي ظل يمارس دوره في إلقاء المحاضرات المسمومة، ولسان حاله يقول: "طز فيكم اعملوا ما شئتم فلن تؤثروا علينا بشيء".
وهكذا أسكت صوت أبرز من وقف من شيوخ المدينة في وجه التشيع! وبذل الشيخ مصطفى جهوداً كبيرة وقام بمحاولات عديدة لم تنجح كلها في إرجاعه إلى وظيفته حتى وقعت كارثة الاحتلال؛ فيا لَحماقة الوطنيين!
أحمد مسيب
هذا الرجل من كبار ناشطي الشعوبية في (تلعفر). معروف بحقده وطائفيته وعلاقاته المريبة. كان أيام صفحة الغدر والخيانة([5]) مستبشراً بشكل واضح لما يحدث حتى إنه كان يصرح قائلاً: إذا تغير النظام فلن أرضى بمنصب دون (المحافظ). ومن الأمور الخطيرة التي اشتهرت عنه أنه في نهاية الثمانينيات حصلت مناوشات بالذخيرة الحية بين رجال الجيش الشعبي ومجموعة من مهربي الأسلحة (القجقجية ) قتل فيها أحد أفراد المجموعة. وحين فتشه رجال الجيش الشعبي وجدوا في جيبه رسالة موجهة إلى (أحمد مسيب) من المدعو (شيخ تقي)، وهو أحد عناصر حزب الدعوة العميل، كان خطيباً مشهوراً من خطباء الحسينيات في تلعف. هرب إلى إيران بعد ان افتضح أمره، وله أخ أعدم بسبب انتمائه الى حزب الدعوة العميل. ترى! ما هذه العلاقة التي تربط أحمد مسيب بشيخ تقي إلى حد أنه يرسل إليه رسالة عن طريق غير شرعي كهذا الطريق؟!
ورغم كل الدلائل والإشارات على أن ثمت أمراً مبيتاً وراء حركاته هذه لم يحصل شيء لأحمد مسيب: لا استدعاء ولا تحقيق ولا اعتقال! بل لا تزيده الأيام إلا قوة وتمكناً، وترقياً في السلم الوظيفي!
حالة من اليأس
لاحظت – وأنا أتحدث إلى من أثق بهم، وأطلب منهم معلومات عن تحركات الشعوبيين لعلنا نضع لها حداً – أن الجميع تخيم عليهم حالة من اليأس من أصحاب الشأن أن يستمع إليهم أحد منهم أو يمكن أن يسعى في تغيير ما يجب تغييره؛ يقولون: لطالما كتبنا وبلغنا، ولطالما حصلت أمور وأمور خطيرة، ولكن رغم وقوعها وظهورها واضحة أمام أعين المسؤولين إلا أن أي تغيير أو استجابة لم تحصل. ويعللون ذلك بأن الحزبيين ورجال الأمن في تلعفر لا يقومون بواجبهم في تبليغ الجهات العليا بما يجري: إما بسبب أنهم أصلا شعوبيون، أو لوجود حالة من التواطؤ بسبب التأثير المادي والاجتماعي وغير ذلك من المغريات.
ويشْكو الذين التقيتهم من أهل تلعفر من كون كبار المسؤولين في المحافظة مثل (أمين سر الفرع) و(المحافظ) غالباً ما تختارهم الدولة من طائفة الشيعة. وقالوا: إن القاعدة المتبعة في البلد أن (الشيعي يكون مسؤولاً ليخدم الشيعة والسني يخدم الشيعة ليكون مسؤولاً). ونحن ضائعون بين هذا وذاك فلا يصل إلى الجهات العليا ما ينبغي أن يصل من أمور تهدد أمن الدولة: حكومة وشعباً، والامر لله تعالى.
حزنت لهذه الحالة المتردية من اليأس التي غزت نفوس الكثير من الخيرين في كل مكان، وتجتاح مشاعرهم. وهي حالة بل ظاهرة ينبغي أن تعالج وتصرف الأوقات والجهود وتعقد الندوات والاجتماعات بإدارة ذوي الاختصاص من أجل وضع حد لها. وإلا انكفأ الخيرون على أنفسهم وصاروا يجترون همومهم وحدهم.. وفقدنا أخيراً ولاءهم.
مدرسة ( الفاروق ) الابتدائية في حي ( 80 ) مثال صارخ
كيف لا يصل الناس إلى هذه الحالة وقد رأيت بعيني ما فعله أحمد مسيب هذا الشعوبي الحاقد. ورغم ما عمله ويعمله صار مشرفاً تربوياً قبل خمس سنوات فاستغل منصبه ليغير اسم مدرسة ابتدائية في حي (80) من اسم (الفاروق) إلى اسم (ثورة العشرين) بحجة أن هذا الاسم مكرر في المدينة. وهو أمر غير صحيح إذ لا يوجد في تلعفر مدرسة بهذا الاسم. والمثير للمشاعر - وهو ما شاهدته بعيني - أن اسم (الفاروق) ما زال يرى بسهولة ويمكن قراءته من قبل الذاهبين والآيبين لانه مسح بصبغ خفيف وكتب فوقه اسم (ثور العشرين) دون أن يؤثر على رؤية اسم (الفاروق). وهذا يثير كل إنسان ينظر الى واجهة المدرسة ويقرأ الاسمين ثم يسأل: لماذا؟ ومن فعل هذا؟ لا سيما وأن غالبية سكان القضاء من أهل السنة، يحبون الفاروق عمر رضي الله عنه ويتعصبون له، ويدركون ببساطة أن الذي غير الاسم شخص حاقد على عمر بن الخطاب. ومن الوارد جداً جداً أن يتساءلوا كيف تسكت الحكومة على مثل هذا؟!
وأنا أسال إضافة إلى ذلك: كيف يصير مثل هذا مشرفاً تربوياً؟ ويمرر أعماله وأقواله دون مساءلة أو عقاب؟!
يرجمون كبار المسؤولين بالحجارة
قبل بضع سنين صدر منع رسمي بإقامة اللطميات في الحسينيات. فأوعز سيد جواد إلى المصلين وإلى الشيعة عموماً في القضاء بالتوجه إلى البساتين وأقامة اللطميات هناك. ولما وصل الخبر إلى المسؤولين توجهوا إلى البساتين وعلى رأسهم أمين سر الشعبة والقائمقام ومدير الأمن فرجمهم الناس بالحجارة! وقبض على مجموعة منهم ثم أفرج عنهم جميعا بعد شهرين! وهذا مما شجعهم أكثر لأنه أزال حاجز الخوف وأثبت لهم أن أمراً كهذا لا خشية من ورائه. وعلق أكثر من واحد من روى لي هذه الحادثة – وهم كثر - بقولهم: لو كنا نحن فعلنا هذا ماذا سيكون مصيرنا؟!
مهندس مطرود من التصنيع يعَين مشرفاً على مستشفى ( تلعفر )
أحد المهندسين الشعوبيين له ثلاثة من الأقارب معدومون أحدهم امرأة، وهو مطرود من التصنيع العسكري. هذا المهندس الموتور صار الآن مشرفاً على مستشفى تلعفر، ويشرف - في الوقت نفسه ع- لى بناء بيت مدير المستشفى د. شعيب (زوجته شيعيه).
نشاطات ملحوظة
الملاحظ ومنذ سنين عديدة أن شيعة ( تلعفر ) وبتوجيه من سيد جواد عندهم حركة انتشار في المدن والقرى المجاورة وصولاً إلى مركز مدينة الموصل نفسه؛ وذلك عن طريق الأعمال التجارية كالبزازة وبيع (الجرزات أو المكسرات) وغيرها من الأعمال كالحدادة والنجارة. وصاروا يستوطنون هذا المنطقة وقد امتدوا إلى قضاء (سنجار)؛ ما أدى إلى ظهور التشيع فيه بعد أن كان خالياً منه. يستعملون في دعوتهم الأشرطة والأقراص المدمجة والكتب.
التلفزيون السوري وإذاعة إيران وضعف أذاعة بغداد
مما يزيد النشاط الشعوبي سهولة مشاهدة التلفزيون السوري، بل لاحظت أن ذلك هو عادة أهل تلعفر يتفرجون على التلفزيون السوري أكثر من التلفزيون العراقي. وفي التلفزيون السوري محاضرة أسبوعية للداعية الشعوبي الخبيث السليط اللسان (عبد الحميد المهاجر). ومما لاحظته وهو مما يبعث الحسرة والأسى أن بث إذاعة إيران (الراديو) قوي جداً في تلعفر! ويقال إن موجة خاصة بتلعفر موجهة من إيران. هذا في الوقت الذي نلمس فيه ضعف بث إذاعة بغداد بصرف النظر عن هزالة برامجها وعم صلاحيتها للوقوف بوجه الزحف الفكري الشعوبي الموجه من إيران. وهو أمر لاحظته في جميع المحافظات البعيدة عن بغداد كالناصرية والبصرة.
والله الهادي إلى سواء السبيل
تشرين الأول 2002
[1]- الجزء الخامس، ص181 وما بعدها. شركة دار الوراق للنشر المحدودة، الطبعة الأولى 2007.
[2]- خمسون دولاراً في ذلك العهد مبلغ كبير يقوم بشأن عائلة متوسطة مدة شهر.
[3]- أي يريدون الذهاب إلى كردستان في شمال العراق بدل كربلاء في الجنوب.
[4]- من اهل السنة، وفي ظل حكومة محسوبة على أهل السنة.
[5]- الحركة الغوغائية التي قام بها الشيعة إثر انسحاب الجيش من الكويت أول آذار سنة 1991.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بحث رائع بوركت دكتور طه
ردحذف