– خاص مشروع عراق الفاروق
ما تزال الأقلام تكتب حول احتلال فلسطين وجرائم إسرائيل وحملات الاستيطان التي لا تتوقف منذ ستين عام ، وما تزال تكتب عن غزو العراق منذ عشر سنوات مع استمرار الفضائح بوتيرة مخزية على يد حكومات الديمقراطية المزيفة ، ولا حاجة لتحليل سياسي وشرح مطول يبين الأهداف من هذا الغزو وعلاقته بالتخريب المستمر ، فقد بات واضحاً ربط إضعاف العرب والعراق مع أمن إسرائيل . لم تفلح المؤتمرات والهيئات والمساعي وعمليات السلام في حل المشكلة في فلسطين والتي أساسها عقائدي بحت كونها الأرض الموعودة ، ولا حاجة لتوضيح أسباب الصمت العالمي حولها لقبضة اللوبي الصهيوني في الخفاء إنما يجدر بنا أن نتساءل إلى متى ؟ ولماذا لا نرى من يثور ويقرر وقف هذه الهيمنة والتخريب الذي سيؤدي بالعالم إلى حرب كونية ؟! . أما عن كارثة غزو العراق ، فلا حاجة لتبيان حقيقة احتلال إيران للعراق عبر حكومات متعاقبة تسيرها أحزاب شيعية بشكل رئيسي . إن النظريات يكذبها الواقع والتجربة فما طابق منها صحت عنده النظرية ، وهذا قانون رياضي ومنطقي معروف بالنظرية والبرهان ، وعليه فقد وجب على كل عاقل واع لخطورة ما يمر به الوطن العربي والعراق خاصةً من الاعتراف بأن حملات الإبادة التي يتعرض لها أهل السنة في العراق وفي سوريا هي في حقيقتها برهان لنظرية ولاية الفقيه التي أسسها الخميني برعاية غربية لهدم الإسلام وضرب المسلمين ، وقد وجب الاعتراف أن توافق المصالح بين الغرب وإيران ونتائجه الكارثية لن يتوقف وإن ظهرت خلافات بين القوتين ، فلا ينبغي توحيد الجهود العالمية بما فيها الجهود العربية في حوارات ومؤتمرات وتهديدات إعلامية بشأن النووي الإيراني، أو التدخل لمنع سقوط النظام في سوريا وخطورة الهيمنة على طرق التجارة في الخليج ، لا يجوز توحيد هذه الجهود بمنأى عن البحث الجدي حول العقيدة التي أسست لكل هذه الاستراتيجيات ، فحتى ما يجري من ثورات الربيع العربي وفشل الحكومات الجديدة في استقرار بلدانها، هي في الواقع مرتبطة بصورة مباشرة وغير مباشرة ببعضها، فما هي إلا آثار جانبية لدواء أجنبي يعالج داء وُصف عند الغرب وعند إيران بأنه عنصر الجهاد ومادة قوته ، وما الداء إلا (أهل السنة ) وعقيدتهم ، ومن يود التعرف على الدليل فليقرأ بروتوكولات صهيون ومنبعها من كتب التلمود ، ونبوءات سقوط دولة اليهود على يد شعب بلاد الرافدين أحفاد بختنصر (نبوخذ نصر) البابلي ، كما الدليل في كتب الشيعة الإمامية بخط علماء الفرس حول عودة المهدي الغائب الذي اختفى في سرداب سامراء ، وكونه من نسل كسرى الذي يحكم بحكم آل داوود يقتل ثلثي العرب .
الإعلام الغربي والإيراني :
لا يختلف أحد على أن الإعلام سلاح وقوة لا يستهان بها من شأنها تغيير السياسات وترتيب الصفوف لبلوغ الهدف . ومن المعلوم أن الكذب في الإعلام مباح ، فما تداول عن ضرورة الهجوم على العراق بسبب أسلحة الدمار الشامل بدأ بكذبة من ابنة السفير الكويتي في العراق قبل حرب الخليج الأولى ، ومروراً بغزو العراق عام 2003 عندما ضعف العراق بحصار شامل أفقد التوازن في القوى . ولا يخفى على الكثير أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر واتهام القاعدة ما هو إلا كذبة إعلامية أخرى لبدء الحرب الصليبية من جديد كما خرجت من زلة لسان ( بوش الابن ) . من الهام أن يعي العرب بشأن الفضائح التي نشرها (موقع ويكليكس) إشارة وناقوس خطر أُريد منه تهييج الشارع العربي لقلب أنظمة الحكم لا صحوة ضمير من عميل للموساد ، كما أن عملية إلقاء القبض على (أسانج) مؤسس الموقع جاءت لتهمة بعيدة عن نشر هذه الفضائح ، فقد كانت بسبب تحرش جنسي وبقيت مأجورةٌ خدماته التي أدت غرضها .
أما عن الإعلام الفارسي فلا يختلف الكثير أن الإعلام الكاذب حول هدف إيران من تشكيل معسكراتها في لبنان والعراق وقوتها التسليحية ومفاعلها النووي هو لتحرير القدس من الشيطان الكبر الراعي لإسرائيل ، هو للتغطية على الهدف الحقيقي لهيمنة ولاية الفقيه باسم التشيع عودة لحكم كسرى ، وهذا لم ينجح لولا خداع العرب بتوافق المذهب الجعفري كمذهب خامس يسير في ركب الإسلام ، ولولا مؤتمرات التقريب ومنظمات العمل الإسلامي وباقي الهيئات لما طال عمر التغلغل الإيراني وعمائمه العربية الخادمة له ، والتي عميت علماء الأمة عن حقيقة الدين الصفوي وكتبهم الداعية لقتل المخالف وتكفير الصحابة بلا عذر له ولا موجب لاستمراره .
إن ما جرى من حتمية تضارب المصالح بين إسرائيل وإيران في المنطقة يستدعي وقفة صريحة وجريئة من قبل العالم ، وقد بات واضحاً أيضاً أن الدهاء الفارسي تغلب على توأمه اليهودي حينما أصبحت أمريكا ومن معها عربة مستأجرة أوصلت إيران إلى السلطة وقبضت أمريكا الثمن وعادت أدراجها ، مع أن الثمن ذاته مدعاة للسخرية ، لقد ظنت أمريكا أن حجم الهيمنة بحجم مساحة الأرض المخصصة للسفارة ، وأن اقتصاد العراق ونفطه مرهون بقوانين الوصاية ودفع الديون وفوائدها ، وأن الاتفاقية الأمنية تحكم عسكري مطلق على الأرض العراقية ، بيد أن الواقع ينقض هذا كله أمام الهيمنة الإيرانية التي فرضت على أمريكا القبول بالمساومات من منطلق القوة التي تملكها في العراق القاعدة الأساس لبلوغ التفرد بالسلطة .
من الجدير بالذكر أن إلقاء القبض على الرئيس صدام حسين وإعدامه كان ضرورة خدم المشروعين اليهودي والفارسي ، لأنه تهديد حقيقي بسبب ضربه لإسرائيل بالصواريخ أكد طلبه السابق قطعة أرض مجاورة لتحرير فلسطين رافضاً في الوقت نفسه أي تواجد لأمريكا في العراق أو المنطقة ، ولم يكن إعدام الرئيس العراقي إلا لأنه قاتل إيران، فلم تجري محاكمات عمليات الأنفال الخاصة بالأكراد، ولا عن إعدامه السلفية وهم أهل السنة ، فحادثة الدجيل مرتكبوها هم من الشيعة المرتبطون بإيران وهي الجريمة الوحيدة في نظر إيران وشيعة العراق ، وإن كانت لقلب النظام واغتيال الرئيس . من المخزي لم يستنكر أحد ويعلن بطلانها ووقفها كونها خيانة عظمى ، ومن حق كل حاكم أن يعدم فاعليها في أي دولة . لقد لعب الإعلام الغربي دوره بكذبات مفضوحة أدت غرضها لإهانة العراقيين والعرب وترهيبهم ، ومنها كذبة وجود الرئيس الراحل الشهيد ــ بإذن الله ــ في حفرة كشفتها الصور بعينها التي زعموا أنها دليل ، وبهذا توافقت المصالح وإن اختلفت الأهداف، والأهم اشتركت في الوسيلة.
العقيدة أولاً :
لم يحقق غزو العراق الأمن والاستقرار لا في العراق ولا في المنطقة ولا في العالم ، بل ازدادت المخاطر وتعقد الوضع حتى باتت الأزمات تولد الأخرى ، وما حدث في سوريا هو امتداد منطقي لهذا التخريب الذي يغذيه الاختلاف العقائدي الديني المتمثل بالتشيع وراعيته إيران المؤسسة لدين يعلن تحريف القرآن ورفضهم السنة النبوية والوهية الأئمة ونسخهم للتشريع ، فما يجري منذ عامين تقريباً من نزاع مسلح وجرائم حرب وتخريب هائل لهو أكبر دليل على أن (الخطأ ) الذي ارتكبته أمريكا وبريطانيا ــ ومن أعانها على الغزو ــ لتغيير النظام في العراق بكل تبعاته الدستورية والمؤسساتية هو جريمة وجب التصرف السريع حيالها بدلاً من التصريحات التي تخرج من السفراء والمبعوثين الأمميين بنصائح حول ضرورة الحوار كما لو كانوا طرف بعيد غير مسئول ، ولهذا ليس من العجب بعد هذا كله أن تفشل كل مساعي الأخضر الإبراهيمي أو من قبله البرادعي أو جعفر الإبراهيمي في أفغانستان والعراق وسوريا ، وليس جهلاً بحقيقة المؤسسات العربية التي أضرت أكثر مما نفعت كالجامعة العربية ورؤساءها بكونهم أدوات غربية وشرقية رسم لها دور يعنى بالشأن العربي تحت مظلة الدول المعادية للإسلام ، وليس ظلماً أن نطعن في هذه المؤسسات لأن الكلام بعموم الجلسات ونتائجها ، ولا نغفل عن الاعتراف بنوايا الكثير منهم لإيجاد حلول لأزمات الشرق الأوسط ، إنما ضرورة البيان بفشلها المستمر مما لا يخفى على أحد بسبب عجز البصيرة والنية في تعديلها .
هذه رسالة عاجلة من سنة العراق ــ فقد بلغ السيل الزبى ــ ونيابة عن سنة العالم بوجوب التغيير الجذري في طرح المشاكل ورفع القضية العقائدية فوق كل القضايا في المحافل الدولية وقممها البائسة ، فقد زاد تعجبنا حينما يصدر تصريح من الاتحاد الأوربي بأن النزاع في سوريا وفي العراق ليس دينياً إنما سياسي ، وزادت حيرتنا هذا الصمت العربي أمام هذه التصريحات ، وزاد امتعاضنا لإعلامنا المميع الذي يتسبب في ضياع المسلمين بوصف العلة تارة أنها خلافات سياسية بين الشركاء وصولاً إلى أن الاحتلال هو أصل الأزمات ، فهل نعزوها إلى جهل مطبق ؟ أم دبلوماسية في احترام تصريحات الهيئات الدولية ؟ . أن الضعف المزمن في قادتنا وإعلامنا معاً أدى إلى شلل في اللسان وضعف في المفاصل ، فلا طرح لأصل المشكلة في تقرير أو حوار مباشر في عقر الدار كون الاحتلال والخلافات هي نتيجة وتحصيل حاصل لعقيدة دينية تأسست على القتل والهيمنة. على العالم والعرب خاصة ً أن ينظروا بعين الصواب والكف عن استعارة نظارات اللوبي الصهيوني في تشخيص المشاكل وتحديد وصفها وأبعادها. إن الاستمرار النمط التبعي لحل الأزمات الآنية لن يؤدي إلى إيجاد الحل الجذري لها لبقاء تحكم العقول الفاسدة مادة التفريخ المخربة في توليد الأزمات ونصدر الإرهاب العالمي .
مطلوب هيئات سليمة :
من الجرم أن تتغافل الجهود الإسلامية والعربية خاصة عن التقدم في كل المحافل الدولية بشرح أصل الخلاف المعلن في طي مئات الكتب لتفرض التشخيص الصحيح لأصل الداء ، ومن الجدير بالذكر ضرورة التعديل الفوري فيما يخص هيكلة المنظمات الإسلامية بكافة مسمياتها بعد اجتماع عاجل لتميز أصل العلة بتطبيق وصف (الإسلام) على علماء الدين وفق القرآن الكريم وتبعاً لمن يسير عليه وعلى السنة النبوية ، فمن الباطل أن يشترك علماء التشيع مع علماء أهل السنة فيها ، ومن الباطل أن تستمر شعارات الأخوة واللا فرق وسط تهجير وقتل أهل السنة في السجون وخارجها في العراق وسوريا وإيران ، ومن المضحك المبكي أن يتم التغافل عن إعلان حقيقة التشيع كاملاً على لسان (واثق البطاط) قائد حزب الله في العراق ، بينما يتم القبول بوصفه مريض نفسياً، أو إرهابي متطرف لا يمثل إلا نفسه ، ومن غير المنطقي أن نترك تعريف الإرهاب وفق الترجمة الانكليزية والنية الصهيونية تتحكم في دساتيرنا وجهود دولنا العربية والإسلامية لتحرق الأخضر واليابس، كما من المخجل أن تحرق مدننا بصب نفطنا فوق رؤسنا من طائرات أعداءنا ، فلا فرق .
إذن مشكلتنا مزدوجة ؛ فلا هيئات عربية وإسلامية سليمة البنية، ولا حوارات جذرية بين العرب وإيران أو بين العرب والغرب ، ولهذا نقول لقد آن الأوان ليتصدر من هم أهل لقيادتنا دينياً قبل أن يكون سياسياً لتبني هذا الإصلاح الواجب شرعاً بما يحدد (أهل الحل والعقد ) ، فلسنا مستعدين لقبول ضعاف البصيرة والحيلة والقرار . آن الأوان لطرح القضية الحقة وهي (قضية العقيدة) ، فإن صلحت الرؤية صلحت المسيرة، ولن يدوم استغلال العلمانيون والليبراليون وغيرهم تخبط العرب وتفرق المسلمين شعوباً ودول إن أعيد ترتيب البيت الإسلامي المتين وفق المصلحة العليا المغيبة منذ عقود . هذه رسالة عاجلة من سنة العراق نيابة عن سنة العالم للحكام العرب خاصة ولعلمائهم الأجلاء وكتابهم ومفكريهم بتكثيف الدعوات لتعديل الأولويات ، والله المستعان .
آملة البغدادية
السبت 2/3/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق