بقلم: عبد الله شاكر الدليمي
مراجعة: د. محمد عياش الكبيسي / د. طه حامد الدليمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله
رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد...
يعيش أهل
السنة في العراق اليوم تحت وطأة ظلم قل نظيره على يد الحكومة الرافضية التي تتفنن
في استهدافهم دينيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا وفي كل المجالات الأخرى. وقد أصبحت
حملات الدهم والاعتقالات والاغتيالات والتهميش والإذلال والحرمان جزءا من الحياة
اليومية لأهل السنة.
وبعد أن
طفح الكيل ولم يعد في قوس الصبر منزع، ارتفعت أصوات بعض رموز السنة داعية إلى تبني
الفدرالية (اللامركزية في الحكم) كحل اضطراري يخفف عنهم حيف حكومة المركز المستبدة
التي جمعت بيدها كل السلطات والصلاحيات لتستغلها أبشع استغلال ضدهم.
وقد ولّد
طرح هذا الخيار جدلا أخذ يتزايد بين أوساط السنة يوما بعد آخر. ويمكن تقسيم الشارع
السني من حيث مواقفهم من مشروع الفدرالية إلى أربع فئات: فئة تؤيدها وتدعو إليها،
وثانية تعارضها وتحذر منها، وثالثة مترددة بين الموقفين باحثة عن الطرف الذي
يقنعها بطرحه لتنحاز إليه، ورابعة اختارت عدم الاكتراث إما هروبا من الواقع أو
جهلا به أو قلة حرص. ولكلتا الفئتين الرئيستين (المؤيدة والمعارضة) أسبابها
وتحليلاتها ودوافعها (وقد لا تخلوان كلتاهما من سيئي النوايا، لكني هنا بصدد
القاعدة لا الشذوذ).
مبررات
الفريقين:
يهدف
الداعون إلى الفدرالية (الأقاليم) إلى الحد من تسلط حكومة المركز وجرائمها بحق أهل
السنة وزيادة صلاحيات الأقاليم التي يتطلعون إلى تشكيلها بموجب فقرة الأقاليم التي
نص عليها الدستور – من جهة؛ ومن جهة أخرى، يرجون منها ثمرات اقتصادية وسياسية
وخدمية وأمنية (ودينية.. لكن على استحياء!) لا يمكنهم الحصول عليها في ظل حكومة
إيرانية الهوى توغل في تهميش الآخر (السني) وتعامله كمواطن من الدرجة الثالثة أو
أكثر.
أما معارضو
الفدرالية، فيستندون في معارضتهم إلى هواجس وتخوفات تبدي لهم ثمرات المؤيدين
"جمرات". وتكاد جميع مبررات هؤلاء الرافضين تدور على محور واحد هو (وحدة
العراق) التي يرون الفدرالية تهديدا لها، بناءا على ظنهم أنها تعني التقسيم
الجغرافي.
وبين هذه
الفئة وتلك، ازداد عوام السنة حيرة على حيرتهم، فهم لا يعرفون مع أي الفريقين
الحق؛ وازداد عدم المكترثين قناعة بعدم اكتراثهم، خاصة مع وجود غبش في الرؤية
متأتٍ من سطحية الطرح وغياب منهجية البحث وضعف آليات العرض المقنع للفكرة - من
جانب أغلب نخب طرفي الجدل- وقلة الوعي والاهتمام - من جانب أغلب العوام.
وللإنصاف
أقول إنه في حين يوجد هناك قلة من مؤيدي مشروع الأقاليم ذوو طرح منطقي يجمع بين
ملامسة الواقع ومراعاة الثوابت الشرعية، لم أسمع لأي من المعارضين طرحا منطقيا ينم
عن استقراء دقيق للواقع المعاش واسترشاد بالثوابت الشرعية.
موقف
الشريعة من الفدرالية:
وفي خضم
حالة الضياع هذه، يبرز سؤال ملح يريد له طارحوه جوابا يحسم الأمر: (ما موقف الشرع
من الفدرالية؟)
وقبل
الحديث عما يمكن أن يكون حكما شرعيا في الفدرالية، لا بد من تعريفها لكي يكون
الطرح مبنيا على أمر مفهوم ومتفق عليه.
فالفدرالية
– لغة- هي تعريب للكلمة الإنجليزيةfederation ، وهي من أصل لاتيني يتكون من كلمتين:
فيديرا foederis وتعني الثقة، وفويدوس foedus
وتعني الإتحاد. وإذا جمعنا بين الكلمتين حصلنا على عبارة "اتحاد الثقة"
أو "الإتحاد القائم على الثقة". (1) فهي من حيث الأصل اللغوي تدل على
الاتحاد والوحدة، وهي نقيض التقسيم.
أما
اصطلاحا، فهي نظام سياسي إداري تكون فيه السلطة النهائية مقسمة بين المركز
والأطراف . وبخلاف النظام المركزي، تنقسم السيادة دستوريا بين منطقتين أو أكثر
بحيث يستطيع أي من هذه المناطق أن يمارس السلطة على نفسه دون تدخل المركز أو
الولايات الأخرى. (2)
من الناحية
النظرية، وفي الوضع الطبيعي، فإن السؤال عن الحكم الشرعي في اختيار النظام
الفدرالي – أو غيره- كنظام للحكم لا يخلو من غرابة، وليس من المتوقع أن يصدر من
شخص ذي اطلاع بالشريعة والسياسة، لأن هذه المسألة ليست خاضعة لثنائية الحلال
والحرام كمسائل المواريث والطلاق والنكاح مثلا، وإنما هي من المسكوت عنه، وبالتالي
فالأخذ بها أو عدمه متروك لتقدير الناس واختيارهم - طالما أنها لا تتعارض مع
الثوابت الشرعية. فالمعول عليه في نظام الحكم هو انقياد الحاكم لشرع الله في حكمه،
وما يتضمنه ذلك من مقتضيات شرعية كالشورى والعدل والحكم بما أنزل الله وسائر
الأمور التي هي مناط الأحكام الشرعية، وليس طريقة تقسيم الصلاحيات السياسية
والإدارية ونسبتها بين المركز والأطراف حسب نوع الحكم – مركزيا كان أو فدراليا.
والسؤال عن
حلّية أو حرمة الحكم اللامركزي (الفدرالي) كبديل للحكم المركزي هو كالسؤال عن
حلّية السفر إلى بلد ما بالطائرة بدلا من القطار. فكما أن نظامي الحكم المركزي
واللامركزي صيغتان يتم تبنيهما كوسيلتين للوصول إلى الغاية المرجوة (حكم البلد
وفرض الأمن وتسيير مصالح الناس، الخ)، فكذلك الطائرة والقطار وسيلتا نقل يمكن
اتخاذ أي منهما للوصول إلى الغاية (المكان المقصود). ويكون التفضيل بين الوسيلتين
(وسيلتي الحكم أو وسيلتي النقل) بناءا على معطيات وظروف معينة من بينها محاسن
ومساوئ كل منهما- حسب تقرير الناس واجتهاداتهم.
أما من
الناحية العملية، وفي ظل ضبابية المشهد وتنوع الفتن التي تدع الحليم حيران، فإن
سؤال الناس عن حكم الشرع في الفدرالية له ما يبرره، خاصة مع تباين آراء الفريقين -
المؤيد والمعارض - التي أوصلت بعض أصحابها إلى مرحلة التناحر والتنابز واتهام
النوايا، وبالتالي فلا بد من إجابة شرعية شافية تطمئن لها القلوب.
ولقد اطلعت
على بعض الفتاوى التي اجتهد أصحابها – وهم جميعا من الطرف المعارض للفدرالية – في
استنطاق الشريعة لاستخلاص حكم شرعي فيها؛ وليْتهم لم يفعلوا، لأن الفتاوي التي
أصدروها – ومع تقديري لمكانتهم - عكست تفكيرا سطحيا وتخبطا في مسائل الدين
والسياسة معا. كما إن آراءهم هذه أظهرت تقديمهم لاعتبارات الدنيا على اعتبارات
الآخرة، والتمسك بالمتغيرات على حساب الثوابت، وهذه مفارقة لا يجب أن تأتي من عالم
في الشريعة.
إن الفتيا
في موضوع الفدرالية (كما في غيرها) يتطلب بحثا علميا منهجيا دقيقا في ثلاثة جوانب
مهمة:
1- ضوابط
التأصيل الشرعي واستنباط الأحكام الفقهية.
2- ماهية
الفدرالية مفهوما وتطبيقا.
3- الواقع
الذي يعيشه أهل السنة (المستفتون).
ومن يدقق
في تلك الفتاوي ويخضعها للتحليل الشرعي والواقعي والمنطقي يدرك بجلاء أنها لم تجب
على السؤال وإنما زادته أسئلة، وضللت عوام السنة بدلا من تنويرهم.
للاطلاع
على أشهر تلك الفتاوي:
http://www.alomah-alwasat.com/newsMore.php?id=41
مفارقة!
الذي أثار
استغرابي هو أن دعاة الأقاليم لم يحرصوا على إبراز الجانب الشرعي في التثقيف
لمشروع الفدرالية- باستثناء الدكتور طه الدليمي إلى حد ما- رغم أن أهم ما يمكن
تحقيقه من خلالها هو الحفاظ على عقيدة أهل السنة وأرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم
وكرامتهم، وهذه هي مقاصد الشريعة بعينها! ولو أنهم أصّلوا لدعوتهم تأصيلا شرعيا
لكان موقفهم أقوى، ولساهموا في تقليل نسبة الحيارى في صفوفنا.
كان بإمكان
دعاة الفدرالية أن يربطوا ما نتعرض له من استهداف عقائدي من قبل الحكومة الصفوية -
التي تسعى جاهدة لسحقنا واستئصالنا ونشر التشيع في أرجائنا – بأحكام الشريعة
ومقاصدها، ولو أنهم استنطقوا القرآن والسنة والتاريخ لوجدوا الكثير من الأدلة التي
تؤيد موقفهم وتدحض مبررات معارضيهم ومنطلقاتهم.
في حين أن
معارضي الأقاليم (أصحاب الفتاوى المحرمة للفدرالية!) أضفوا على معارضتهم طابعا
شرعيا، فأقحموا بذلك الشريعة ووظفوها توظيفا قاصرا. وفي الحقيقة فإن في الأحكام
الشرعية والثوابت الإسلامية ما يدين طروحاتهم ويؤيد طروحات الفريق الآخر.
وهكذا فقد
أخطأ الفريقان: الفريق الداعي إلى الفدرالية - بإبعادهم الشريعة بشكل كلي عن هذه
المسالة رغم شمولها لها ولكل شؤون الحياة- والفريق المعارض لها باستخدامهم الشريعة
بطريقة تعسفية تخلو من الحكمة. وهذه مفارقة عجيبة تدفعني إلى التساؤل: أين علماؤنا
العاملون الذين يحملون هم الأمة ويقودونها بفكر نير يجمع بين العلم والفقه؟
ولي
تساؤلات على أشهر تلك الفتاوى في مقالة من جزئين على هذين الرابطين:
http://www.alqadisiyya3.net/main/art...rticle_no=4840
http://www.alqadisiyya3.net/main/art...=4841&;search=1
الفدرالية:
مصلحة مرسلة علينا تحقيقها
بما إن حكم
العراق اليوم بيد الشيعة الذين يستأثرون بكل أدوات القوة والسلطة، ويستغلونها في
سحقنا عقائديا وماديا ومعنويا، ولكون الفدرالية تحجم هذا الاستئثار وتمنحنا
صلاحيات أوسع يمكن استغلالها للمحافظة على ديننا وأرواحنا وحقوقنا، فالذي أراه –
والله أعلم - أن مشروع الفدرالية (الحكم اللامركزي) يندرج تحت المصالح المرسلة
التي تنطوي على منفعة لأهل السنة، فحسب القاعدة الفقهية: (حيثما وجدت المصلحة فثم
شرع الله).
وقد يقول
قائل هنا (إن من شروط العمل بالمصلحة المرسلة أن تكون مصلحة حقيقية وليست وهمية)،
فأقول: إن لم يكن لنا في الواقع العملي (إقليم كردستان) درس نستفيد منه، فلنجرب
الواقع النظري لنرى هل تتحقق المصلحة أم لا. أليس ذلك أفضل من القعود وغلق الباب
قبل أن نخطو خطوة واحدة؟
أليس في
لجوء طارق الهاشمي إلى إقليم كردستان وصمة عار لملايين السنة الذين تقاعسوا عن
المطالبة بحقهم في إقليم- إسوة بإخواننا الكرد - لكي يلجأ إليه المطارودن من أهل
السنة الذين تلاحقهم يد الغدر الصفوية دون وجه حق؟
وللتذكير
فقط، فإن جميع المفتين بحرمة الفدرالية هم أنفسهم فارون من العراق بعوائلهم،
يشفّهم الوجد والحنين إلى ديارهم، لكنهم لا يجرؤون على العودة إليها.. ومع ذلك
يعارضون مجرد فكرة إقليم يؤوي من تبقى من إخوانهم في إتون العراق بين معتقل أو
مطارد أو مهدد أو مهمش... وكأن لسان حال هؤلاء المفتين يقول:
معللتي
بالوصل والموت دونه ---- إذا مت ظمآن فلا نزل القطر
فعجبا لهم!
المصلحة
المرسلة وأقسامها
المصلحة
المرسلة حسب الأصوليين هي: "الأوصاف التي تلائم تصرفات الشارع ومقاصده، ولكن
لم يشهد لها دليل معين من الشرع بالاعتبار أو الإلغاء، ويحصل من ربط الحكم بها جلب
مصلحة أو دفع مفسدة عن الناس." (أصول الفقه وابن تيمية، 1/ 452)
وسميت
"مرسلة" لعدم وجود ما يوافقها أو يخالفها في الشرع؛ أي: أرسلت إرسالا
وأطلقت إطلاقا. (3)
وتنقسم
المصلحة المرسلة - باعتبار الأصل الذي تعود عليه بالحفظ - إلى خمسة أقسام:
1- مصلحة
تعود إلى حفظ الدين.
2- مصلحة
تعود إلى حفظ النفس.
3- مصلحة
تعود إلى حفظ العقل.
4- مصلحة
تعود إلى حفظ العرض.
5- مصلحة
تعود إلى حفظ المال.
وهي ما
تسمى بالضروريات الخمس أو مقاصد الشريعة. (4)
وهنا أتوجه
بالسؤال لمعارضي الفدرالية: أليست هذه المصالح الخمس جميعا مهددة ومستباحة من قبل
الحكومة الرافضية اليوم في ظل نظام الحكم المركزي الذي تريدون له أن يستمر ليستمر
معه نزيف دمائنا؟
وقد يسأل
سائل: "ولماذا لا نعمل على تغيير الواقع بإسقاط الحكومة ليستعيد السنة دروهم
القيادي بدلا من اللجوء إلى الفدرالية؟" وسؤال كهذا يتجاهل الحقيقة المرة وهي
أن الصفويين اليوم لا يمسكون بزمام الحكومة فقط، وإنما بزمام الدولة بكامل مفاصلها
ومؤسساتها العسكرية والأمنية والمليشياوية والاستخباراتية، وبالتالي فليس من
السهولة تغييرها مع وجود قوات جيش وشرطة وأمن طائفية تأتمر بأمر الحكومة. ولو كانت
هذه المؤسسات وطنية وممثلة للشعب بلا تخندق طائفي– كما في مصر وتونس وليبيا - لكان
التعويل عليها في محله، ولكان خيار المظاهرات والاعتصامات والثورات واردا. ثم إن
الشعب العراقي ليس شعبا واحدا ليكون جبهة موحدة ضد الحكومة، وإنما نصفه تقريبا يؤيدها
ويتخدنق معها عقائديا. وفي ظل هذه الظروف المأساوية وانعدام توازن القوى، فما هي
القوة التي نمتلكها اليوم لتغيير هذا الواقع المرير سوى العمل على استغلال ما في
الدستور من ثغرات لصالحنا، وفي ذلك إحراج لواضعيه - على أقل تقدير؟
أود هنا أن
أشير إلى مبدأين من مبادئ عالم السياسة هما من أبجدياتها: الأول (خذ ثم طالب)
والثاني (لا تعارض الحكومة والدستور معا). وحسب المبدأ الأول، فإن على السياسي أن
يعمل على الحصول على ما يستطيع - وإن كان قليلا- كمرحلة أولى، ثم بعد أن يكون في
حوزته يطالب بالمزيد، لا أن يعمل بمبدأ "كل شيء.. أو لا شيء" وبالتالي
يخسر كل شيء (وفي تاريخ القضية الفلسطينية ما يكفي من دروس). أما المبدأ الثاني
فيعني أنه مهما بلغت الحكومة من سوء فلا يمكن أن يكون الدستور الذي تعتمده سيئا-
أو لنقل: لن يكون بسوئها، لأنه من الطبيعي أن تقر الحكومات دساتير على درجة من المقبولية
– على الأقل- لكي لا يحرجها أمام الرأي العام المحلي والعالمي.
نعم، قد
تتلاعب الحكومات بتفسير فقرات الدستور حسب ما يوافق هواها، لكن ذلك يكون في النصوص
الدستورية الغامضة التي يسعها اختلاف التأويلات؛ وهذا ما لا ينطبق على فقرة
الأقاليم التي في الدستور، فهي صريحة وليست حمالة أوجه. وهذا يحتم علينا أن نعمل
على تحقيق ما يمكن من المطالب من خلال الدستور (الذي فرض كواقع حال ولا بد من
التعامل معه على ما فيه) بدلا من الاكتفاء بلعنه ورفضه.
على رافضي
الفدرالية أن يدركوا أن ما يلاقيه أهل السنة من ممارسات وحشية على يد الحكومة هي
ممارسات منهجية ودائمية وليست عابرة مؤقتة، وعن سوء نية لا سوء فهم. فاستهداف
السنة نابع من العقيدة الرافضية التي يحملها من سيطروا على مقاليد الحكم في
العراق، وبالتالي فمن العبث التعاطي معها على أنها موجة ستهدأ أو سحابة ستمر ما
دام الشيعة على سدة الحكم؛ وإن تشخيصها على أنها مجرد تبعات لاحتلال تزول بزواله
أو مع مرور الزمن يفضي إلى علاج خاطئ لا يزيد الحالة إلا سوءا وتعقيدا. والحل
الوحيد هو مجابهة هذا الوضع بما يوازيه من جهد معنوي ومادي وإعلامي، مع رص الصف
وتوحيد الكلمة (انطلاقا من كلمة التوحيد).
وعلى هؤلاء
الرافضين تقديم الحل البديل إن كان ثمة حل لديهم.
أمور
شرعية خطيرة فاتت محرمي الفدرالية:
من يستعرض
الفتوى المحرمة للفدرالية، والتي ذكرت رابطها آنفا، سيجد أن علة التحريم فيها هو
تصور المفتي الفدرالية على أنها "تقسيم للعراق على أسس طائفية" ولذلك اختار
عبارة: "التقسيم بعنوان الفيدرالية" عنوانا لفتواه! وفي ذلك إشكاليتان
رئيستان؛ الأولى: إعتبار الفدرالية تقسيما، وهذا تعسف وتحريف لمعنى الفدرالية لغة
واصطلاحا وتطبيقا. والثانية – وهي الأخطر: إعتبار السنة والشيعة شعبا واحد ودينا
واحدا، وهذا تسطيح للأمور ومجافاة للحقيقة، بل وخلل كبير ينم عن جهل بثوابت
العقيدة ومفهوم الهُوية الإسلامية. فدين أهل السنة والجماعة غير الدين الشيعي، أي
أنهما دينان مختلفان وليسا مذهبين أو طائفتين ضمن نفس الدين. ومخطئ من يظن أن
خلافنا معهم هو في الفروع دون الأصول، فنحن لا نتفق معهم في أي أصل من أصول الدين
- فضلا عن فروعه.
وسأذكر هنا
بعض المسائل الشرعية المهمة التي فاتت المفتين بتحريم الفدرالية الذين ركزوا في
اهتمامهم على وحدة التراب والدعوة إلى تعايش الجلاد والضحية:
التوحيد
إن أصل
العلاقة التي تربط الخلق بالخالق – سبحانه وتعالى- هي العبادة التي من أجلها خلق
الله الجن والإنس: }وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون{ (الذاريات: 56). ومن أهم
مقتضيات هذه العبادة التوحيد: }فاعلم أنه لا إله إلا الله{(محمد: 19)، والذي يقتضي
صرف جميع أشكال العبادة القولية والفعلية والقلبية لله وحده.
وسؤالي هنا:
هل يتحقق كل ذلك في حاكم يتخذ من سب الصحابة دينا؟ أليس الشيعة غارقين في شركياتهم
وطقوسهم الكفرية التي لم ينزل الله بها من سلطان؟ ألا يتوجهون بالدعاء (الذي هو مخ
العبادة) لمن هم عباد أمثالهم، ويتوجهون إليهم بما لايصرف إلا لله من أفعال تعبدية
كالاستغاثة والطواف والنذر والحلف؟ ألم يخترعوا دينا جديدا ليس له من الإسلام
نصيب؟
ورب سائل
يسأل: ومن يضمن أن من يتسلم زعامة الإقليم السني سيكون ملتزما بشرع الله؟ والجواب:
إن مضنة ذلك تتحقق في السني دون الشيعي؛ فالسني إن كان ملتزما بدينه فهو على
الإسلام الصحيح، أما الشيعي فكلما التزم بدينه كان من الله أبعد. وهذه هي المعادلة
التي يجب أن نضعها في حساباتنا عند التعاطي مع مسألة مثل الفدرالية.
الحاكمية
من مقتضيات
العبادة إفراد الحاكمية لله - القائل: }إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ
أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} ( يوسف 40 )،
والقائل: }فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول{ (النساء:59)
قال الحافظ
ابن كثير في تفسير هذه الآية: "قال مجاهد وغير واحد من السلف؛ أي إلى كتاب
الله وسنة رسوله..." (تفسير ابن كثير، ج1/518)
ولا أدري
هل حكومة المالكي التي يريدنا الشيخ المفتي أن نبقى تحت "رحمتها" تحكم
بما أنزل الله، أو تعترف به أصلا؟
أما السنة
النبوية فلا داعي للسؤال عن رأيهم فيها، فالذي لا يؤمن بكتاب الله ويزعم تحريفه لا
نرجو منه أن يؤمن بسنة نبيه – صلى الله عليه وآله.
ثم هل نسي
الشيخ المفتي بحرمة الفدرالية أننا مكلفون شرعا بإقامة حكم إسلامي تتحقق من خلاله
حاكمية الله في أرضه؟ }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون/ الظالمون/
الفاسقون{ (المائدة:44/ 45/47)
فهل يمكننا
القيام بهذا التكليف ونحن على هذه الحالة؟
وحدة
الأمة الإسلامية:
"وحدة
الأمة الإسلامية هي: اجتماع المنتسبين إلى الإسلام على أصول الدين وقواعده الكلية،
وعملهم معا لإعلاء كلمة الله ونشر دينه، وبذالك يحققون معنى الأمة كما قال تعالى:
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ
الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ
الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]
وقد وصف
الله تعالى المسلمين في الآية الكريمة بأنهم خير أمة، وذكر موجبات تلك الخيرية
وهي: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله تعالى، وأتى بجميعها على
صيغة الجمع ليدل على وجوب اجتماعهم واتفاقهم.
وللوحدة
الإسلامية مقومات لا بد من توفرها، مثل:
أولا:
وحدة العقيدة:
فعقيدة
المسلمين في الله تعالى وفي جميع أركان الإيمان واحدة، لا اختلاف بينهم في أصول
الدين ومبادئه الأساسية.... وهذه عقيدة المسلمين جميعا في كل العصور والدهور، ومن
أنكر منها شيئا فقد خرج من دين الإسلام."
ثانيا:
وحدة الشعائر والشرائع:
قال تعالى:
{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا
الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى: 13)
قال السعدي
رحمه الله: "ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع
من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج والأعياد، والجمع والصلوات الخمس والجهاد،
وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل إلا بالاجتماع لها وعدم التفرق".
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 754)
ثالثا:
وحدة المصادر والمراجع:
للدين
الإسلامي مصادر ومراجع محددة يتلقى منها المسلمون جميعا العقائد والعبادات
والأخلاق والشرائع، قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
قال الشيخ
محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى: (أمر الله في هذه الآية الكريمة، بأن كل
شيء تنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى كتاب الله
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم) (أضواء البيان: 1 / 244.)
فالحكم في
جميع أمور الدين إلى الله ورسوله، ولا يكون الرد عند الاختلاف إلا إليهما، أو إلى
ما دلا عليه من مناهج الاستدلال وطرق الاستنباط". (5)
فقولوا لي
- بالله عليكم: هل يتفق الشيعة معنا بشيء واحد مما سبق؟
أما من حيث
الرقعة الجغرافية للأمة الإسلامية، فهي كل بلاد المسلمين، والحدود الجغرافية
الموجودة حاليا والتي تقسم الأمة الإسلامية إلى دول وكيانات هي حدود مصطنعة ليس
لها اعتبار شرعي، ولا يجب أن تؤخذ كضابط في تحديد مفهوم الأمة. وبالتالي فإن تقييد
الشيخ المفتي بحرمة الفدرالية اهتمامه بحدود العراق ليس له تأصيل شرعي؛ فالذي يربط
الأمة ببعضها هو العقيدة ومقتضياتها وليس حدود سايكس- بيكو.
حتى
لو كانت الفدرالية تقسيما!
إن تقديم
التراب على العقيدة خلل عقدي كبير يجب تداركه سريعا قبل الموت. فالرابط الذي يجمع
الأمة هو العقيدة وليس الحدود الجغرافية؛ وبما أننا لا نتفق مع الروافض في أصل أو
فرع، فهم لا يدخلون معنا في إطار الأمة حسب المفهوم القرآني. وإذا احتكمنا إلى
ثوابت الدين ومعاييره لوجدنا أنه حتى لو كانت الفدرالية انفصالا.. فلتكن،
فالانفصال أسلم وأجدى من الانضواء تحت راية رافضية كفرية تحارب الله ورسوله
وصحابته والمؤمنين. فعندما يكون المسلم أمام مفترق طرق وعليه اختيار إما عقيدته أو
وطنه – أو أي شيء آخر – فعليه أن يختار العقيدة وبلا تردد، إن كان يرجو الله
واليوم الآخر.
ولننظر في
بعض الشواهد على ذلك من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والتاريخ، والمنطق:
أولا:
القرآن الكريم
كثيرة هي
الآيات القرآنية التي تحثنا على تقديم العقيدة على كل ما سواها من اعتبارات وطنية
أو قومية أو حزبية، بل حتى أواصر الدم التي تربط أفراد العائلة الواحدة. ومن هذه
الآيات:
1- {لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ
حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ
وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
(المجادلة: 22)
وهذه الآية
نزلت في الصحابي الجليل أبي عبيدة (رضي الله عنه) الذي قتل أباه – وكان مشركا – في
معركة بدر. وهذا هو التمسك الحقيقي بالعقيدة التي لم يساوم عليها أبو عبيدة حتى مع
أبيه الذي خرج من صلبه، فكانت المفاصلة حاسمة قاطعة كسيفه – رضي الله عنه.
2- {إِنَّ
الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ
قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ
اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 97)
نزلت هذه
الآية في أناس تخلفوا في مكة ولم يهاجروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- فلما
كانت غزوة بدر أجبرهم الكفار على الخروج معهم للقتال فقتل منهم من قتل، ومعنى
"ظالمي أنفسهم" أي بالإقامة بين أظهر المشركين رغم قدرتهم على الهجرة..
(لاحظوا أنهم عوتبوا رغم إن من بقوا معهم لم يكونوا "شركاءهم في الوطن
فحسب"، وإنما آباءهم وإخوانهم وعشيرتهم!).
وحال أهل
السنة اليوم شبيه بحال من نزلت فيهم هذه الآية؛ إذ أنهم إذا ارتضوا العيش تحت إمرة
الحكومة الرافضية فمصيرهم إما الإستئصال أو التشيع. ولذلك فإن لم يكن السنة قادرين
على مجابهة الشيعة وفرض وجودهم وأخذ استحقاقاتهم كمكون عراقي أصيل، فلا أقل من
المطالبة بتشكيل أقاليم إدارية (والأفضل إقليم موحد) يحفظون فيها وجودهم، نظرا لما
يمنحه الدستور للأقاليم من امتيازات أهمها حق إعداد مناهج التعليم وسن دستور داخلي
خاص بالإقليم وإنشاء السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية- هذا إذا
كانوا متخوفين من هاجس التقسيم كما هو الحال الآن. وقد يقول قائل: "ومن
سيعطيك هذه الحقوق ويدعك تكوّن إقليما كما تشتهي؟" فأقول: وهل الحقوق في عالم
السياسية تُمنح منحا أم تنتزع انتزاعا بعد جهود وتضحيات؟ لنعتبر أنفسنا في حالة
حرب مع عدو، فهل ننتظر من عدونا أن يتكرم علينا بالتقهقر أو التنازل عن ممتلكاته
لنغنم منها ما نشاء؟
3- {وَقَدْ
نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ
بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي
حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ
الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} (النساء: (140
والشيعة لم
يكتفوا بالكفر بآيات معينة من كتاب الله، بل زعموا تحريفه، وكذبوا الله في تزكيته
للصحابة - رضي الله عنهم- وتبرئته لزوج النبي - صلى الله عليه وآله - في كثير من
آياته. فكيف نقعد مع هؤلاء القوم بعد كل هذا؟ هل يريد لنا محرمو الحكم اللامركزي
أن نكون مثل هؤلاء القوم ليجمعنا الله معهم في جهنم جميعا؟
4- {وَالَّذِينَ
لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}
(الفرقان: 72)
ولا أظنني
بحاجة إلى قول الكثير عن تبني الحكومة الرافضية لكل مظاهر الزور واللغو التي
يحتفون بها في مناسباتهم وطقوسهم الوثنية التي أترعوا التقويم السنوي منها أعيادا
حتى لا يكاد شهر يمر دون مناسبة أو أكثر، تكريسا لبهتانهم وزورهم وتخليدا له.
5- {وَلاَ
تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن
دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (هود: 113)
وهل من
ركون إلى الظالمين أبشع من الرضا بتسلط الروافض ورفض الخروج عن سطوتهم ولو جزئيا
من خلال الأقاليم؟ أليس اعتبارات الدين والدم والحرية والكرامة والأعراض أغلى من
الوطنية الزائفة والوطن الذين يريدونه موحدا ولو كان بيد أعدائنا (حكومة إيران
وأذنابها في العراق)؟
6- {وقَالَ
إِنّى مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبّى إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} (العنكبوت:26)
هذه الآية
جاءت على لسان إبراهيم – عليه السلام – الذي بلغ رسالة ربه في قومه ودعاهم إلى
التوحيد ابتداءا بأبيه، فهجرهم وترك بلده إلى غير رجعة بعد أن ردوا دعوته وآذوه.
وفي ذلك درس للدعاة المأمورين بإقامة شرع الله في أرضه أن يعملوا ما بوسعهم لدعوة
غيرهم إلى دين الله، فإن لم يستجيبوا فلا بد من مرحلة الهجرة التي تعني المفاصلة
والتميز عنهم وليس المكوث معهم والرضى بما هم عليه من شرك. وهذا ما فعله أنبياء
آخرون كموسى ويونس عليهما السلام. وعلى ذكر يونس (عليه السلام)، فقد يقول قائل: إن
الله عاتبه على خروجه من نينوى، فكان الأجدر المكوث فيها وتحمل أذاهم. فأقول: وأنا
لا أدعو إلى الخروج من العراق وتركه للروافض فنتعرض لمعاتبة الله ثم الأجيال
والتاريخ، بل إلى البقاء فيه - لكن ضمن كيان يفصلنا عن القوم ولو إداريا (من خلال
الإقليم)؛ أو حتى جغرافيا.
وأنا هنا
أتحدث عن الفدرالية كجزء من الحل وليس الحل؛ فمعضلة أهل السنة بحاجة إلى منظومة
حلول، لعل الفدرالية أبرزها وأولاها من حيث العامل الزمني، لأن التأخر في تفعيلها
قد يعني فوات الفرصة - خاصة وأن كثيرا من حلقات الحل الأخرى مرتبطة بها بشكل مباشر
أو غير مباشر.
7- { هُمُ
الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ } (المُنَافِقُوْنَ: 4)
والمقصود
بالعدو المنافقون... والشيعة أخطر المنافقين على مر العصور؛ وأذاهم وخطرهم على
المسلمين فاق أذى وخطر اليهود والنصارى وعباد الأوثان.
ثانيا:
السنة النبوية
في السنة
النبوية القولية أحاديث كثيرة تنهانا عن ممالأة أهل الباطل والتعايش معهم، وأن
تكون أولوياتنا في الحياة شرعية لا دنيوية زائلة، خاصة عند تعارضهما.
فعن حذيفة
بن اليمان – رضي الله عنه- قال : "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا
في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، فقلت:
هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير
سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال:
نعم: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: يا رسول الله، صفهم
لنا؟ قال: نعم، قوم من جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا، قلت: يا رسول الله، فما ترى إذا
أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم. فقلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا
إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت
على ذلك.
هذا الحديث
يأمرنا بالانحياز إلى ركن رشيد وآمن عند الفتن حفاظا على حوزة الدين، وترك كل ما
فيه دخن وإن جاء ممن هم من بني جلدتنا، فكيف بالروافض؟ أليس في الإقليم السني
"أصل شجرة" نعض عليه اضطرارا للإفلات من جورهم وبطشهم قبل أن يعمنا الله
بعذاب ينزل عليهم جزاء شركهم وإفسادهم في الأرض؟
{وَاتَّقُوا
فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(الأنفال: 25)
أما السنة
الفعلية، ففي سيرة نبينا – عليه الصلاة والسلام - محطات مهمة حري بنا الوقوف عندها
وأخذ الدروس منها، وسأذكر اثنتين منها:
1-
الهجرة من مكة إلى المدينة:
عندما ضيقت
قريش على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أتباعه المؤمنين- وسامتهم سوء العذاب
جسديا ومعنويا، هاجر برفاقه من مكة – أحب البقاع إليه- إلى المدينة فاراً بدينه
ودين أصحابه وحياتهم.
في ظل تلك
الظروف المشابهة لظروفنا اليوم تقريبا، لم يتشبث النبي - صلى الله عليه وسلم-
بوطنيته أو قوميته على حساب عقيدته، ولم يأمر أصحابه بمداهنة كفار قريش والتعايش
معهم بحجة أنهم "شركاء الوطن"، رغم إنهم أباؤهم وإخوانهم وأبناء
عمومتهم! بل ولم يدعُ الى تقسيم مكة بين مسلمين وكفار أو الى تشكيل "إقليم
إسلامي" ضمن الرقعة الجغرافية لمكة، وإنما ترك وأصحابه لهم مكة بما فيها،
جاعلين وراء ظهورهم أرضهم وبيوتهم وأملاكهم- نجاة بدينهم وأرواحهم.. ليعودوا اليها
بعد حينٍ فاتحين، بعد أن اتخذ من المدينة موطنا حافظوا فيه على عقيدتهم واستكملوا
عوامل النصر والتمكين المعنوية والمادية.
وهنا أكرر،
أنني لا أدعو أهل السنة ليهجروا العراق إلى غيره من الدول حفاظا على دينهم وأرواحهم،
ثم ليعودوا إليه فاتحين.. وإنما أدعوهم ليبقوا في وطنهم، لكن بما يحفظ لهم دينهم
وأرواحهم وأعراضهم وكرامتهم وحقوقهم، وهذا لن يكون إلا بتوليهم قيادة البلد.. أو
التمتع بحكم شبه ذاتي في إقليم .. كأضعف الإيمان.
2-
موقف النبي - صلى الله عليه وآله - من يهود المدينة:
حاول النبي
- صلى الله عليه وسلم - التعايش مع يهود المدينة كمواطنين لهم ما لهم من حقوق
وعليهم ما عليهم من واجبات. لكن بعد أن أوغلوا في الخيانة والغدر والتآمر مع
منافقي المدينة ومشركي مكة ضد المسلمين؛ أجلاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
من المدينة لوضع حد لسلوكياتهم المشينة التي كانت تهدد الدولة الإسلامية الفتية،
وهكذا تم إجلاؤهم صاغرين تباعا (بنو قينقاع ثم بنو النضير ثم بنو قريظة).
إن الدوافع
التي استند إليها النبي - صلى الله عليه وسلم – في اتخاذ تلك المواقف الحاسمة مع
اليهود لم تكن عنصرية أو "طائفية" أو قومية، وإنما شرعية عقدية لا مجال
فيها للمداهنة والتمييع باسم الوطن والمواطنة والحدود الجغرافية. وما يفعله
الروافض اليوم لا يقل خيانة وغدرا وفتكا بالأمة الإسلامية من سلفهم اليهود.. بل قد
فاقوهم في ذلك كماً ونوعاً، والتاريخ القديم والحديث والمعاصر يشهد بذلك بكل وضوح.
من كل ذلك
نستنتج أن من يدعو إلى التعايش مع الروافض بحجة الحفاظ على وحدة العراق أرضا
وشعبا، إنما يشجع على استمرارية جرائم أحفاد عبد الله بن سبأ الذين يكملون اليوم
مسيرة الخيانة التي تولى كبرها جدهم- رأس المنافقين.
ثالثا:
التاريخ
كانت
الدولة الإسلامية في أغلب مراحلها قائمة على نظام الحكم اللامركزي (الفدرالي –
بالمصطلح الحديث). ففي عصر النبوة، كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يبقي زعيم كل
قبيلة تدخل في الإسلام على زعامته لها ليديرها بما يناسبهم؛ إذ من المعروف أن لكل
قبيلة طبيعتها وعاداتها وتقاليدها وتركيبتها النفسية والاجتماعية، الخ؛ وإبقاء
زعيمها عليها بدلا من تولية رجل آخر أسلم وأجدى في إدارتها بطريقة مراعية لتلك
الاختلافات دون إرباك أو اختلال.
ولما اتسعت
رقعة الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، كان ولاة الأمصار الإسلامية يحكم
كلٌ ولايته بشيء من الاستقلالية عن الخليفة. فرغم ارتباطهم بالخليفة في المدينة
(رأس هرم السلطة)، إلا إنهم كانوا يمتازون بصلاحيات سياسية وإدارية كبيرة تجعلهم
لا يرجعون إلى خليفتهم إلا في بعض القضايا التي لا بد منها (وهذه هي الفدرالية
بعينها). فكان بعضهم ولاة وقضاة في نفس الوقت، يحكمون ويقضون بما يرونه مناسبا
لأحوال رعايهم في الولاية؛ فأحوال الرعية في اليمن – مثلا - غيرها في الشام، وفي
العراق غيرها في مصر، وهكذا.
والكلام
نفسه ينطبق على المراحل اللاحقة إبان العهد الأموي والعباسي، فقد كان لمركز
الخلافة الأموية في دمشق، ثم العباسية في بغداد، امتدادات جغرافية هي أشبه بـ
(أقاليم تتمتع بحكم ذاتي) - كالأندلس مثلا؛ وكذا الحال في فترة الخلافة العثمانية.
والسبب
الرئيس في تمتع أطراف الدولة الإسلامية بشيء من الاستقلالية الإدارية عن مركز
الخلافة هو ليس بعد المسافة الجغرافية وصعوبة التواصل وانعدام وسائل الاتصال التي
لدينا اليوم، وإنما ما أسلفناه من تنوع البلدان والأمصار من حيث أجناس أهلها
وطبائعهم ولغاتهم واحتياجاتهم وميولهم، وسائر الجوانب المتعددة التي يصعب على
خليفة - مهما كانت إمكانياته- الإمساك بزمامها كلها ليحكم الناس حكما مركزيا.
رأي
شيخ الإسلام ابن تيمية في الروافض:
رحم الله
شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال كلمة الفصل في الروافض دون مجاملة أو مراعاة
"للوحدة الوطنية" على حساب العقيدة. ولقد كان موقفه منهم نابعا من دراية
بأحوالهم وإحاطة بسلوكياتهم المشينة، والتي على رأسها تواطؤهم مع التتار
والصليبيين ضد المسلمين آنذاك – كعادتهم في كل مواجهة بين المسلمين وأعدائهم على
مر التاريخ.
ومما قاله
شيخ الإسلام في الشيعة: " إِنَّ أَصلَ كُل فِتْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ هُم
الشِّيْعَةُ، وَمَنْ انْضَوَى إِلَيْهِمْ، وَكَثِيْرُ مِنْ السُّيُوْفِ الَّتِي
فِي الإِسْلاَمِ، إِنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِم، وَبِهِم تَسْتَرت
الزّنَادقَةُ." (منهاج السنة: 3/243)
وَقَالَ
أَيْضاً: "فَهُم يُوالُونَ أَعْدَاءَ الدِّيْنِ الَّذِيْنَ يَعْرِفُ كُل
أَحَدٍ مُعادَاتِهِم مِنَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمُشْرِكِيْنَ ،
وَيُعَادُونَ أَوْلِيَاءَ اللهِ الَّذِيْنَ هُم خِيَارُ أَهْلِ الدِّيْنِ ،
وَسَادَاتِ المُتَّقِيْنَ ... وَكَذَلِكَ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ الأَسبَابِ فِي
اسْتيلاَءِ النَّصَارَى قَدِيْماً عَلَى بَيْتِ المَقْدِسِ حَتَّى اسْتَنْقَذَهُ
المُسْلِمُوْنَ مِنْهُم." (منهاج السنة 4/ 110)
رحمك الله
يا شيخ الإسلام، كأنك تعيش اليوم بيننا!
الدرس الذي
أتمنى من علمائنا اليوم أن يقفوا عنده هو أن ابن تيمية – رحمه الله - لم تمنعه
المواجهة المصيرية مع التتار والصليبيين من إبداء رأيه في الروافض وبيان موقفه
منهم بلا مواربة، ولم يفعل كما فعل بعض علمائنا اليوم الذين يرجون من الشيعة شراكة
وطنية بحجة أننا في مواجهة عدو صائل. وهو لم يعول على استراتيجية (كسب تأييدهم أو
تحييدهم) أو غيرها من المغالطات التي ينتهجها البعثيون الجدد (أو الإسلاميون الجدد
- كما يسميهم الدكتور طه الدليمي).
رابعا:
المنطق
معلوم أن
الوحدة – ضمن البلد الواحد أو بين أكثر من بلد – مطلب ضروري، لأنها مظنة القوة
والمنعة والقدرة على مواجهة الأخطار الخارجية. فهي وسيلة لغاية أو غايات مرجوة،
وبالتالي فهي مقصودة لغيرها لا لذاتها. وعند ذكر متلازمة الغاية والوسيلة، فإن
المعول عليه – بلا شك- هو الغاية وليس الوسيلة؛ فقد تتنوع الوسائل لتحقيق نفس
الغاية. وقد تكون وسيلة معينة مجدية لتحقيق الغاية اليوم وقد لا تكون كذلك غدا؛
وقد تنجح وسيلة لإدراك الغاية في مكان ولا تنجح في آخر. فالمسألة ليست قاعدة جامدة
مكانا وزمانا.
الإنسان
بطبعه يتعلم من خلال التجربة والخطأ، فلو جرب وسيلة ما لتحقيق غاية ما وثبت فشلها
في تحقيق المرجو فإنه يجرب غيرها ولا يتشبث بها؛ فالغايات هي الثوابت والوسائل هي
المتغيرات. لكن ماذا لو أدت الوسيلة المختارة إلى نتائج عكسية؟ هل لعاقل أن يتمسك
بها بعد فشلها؟
الجواب: قطعا
لا. لكن يبدو أن لبعض إخواننا وشيوخنا من أهل السنة جوابا آخر؛ فهم لا يزالون
اليوم يتشبثون بالوحدة ويتغنون بأوهام الشراكة الوطنية التي لم نجن منها إلا مزيدا
من الذبح وهتك الأعراض!
من المهم
أن ندرك أن الوحدة ليست خيرا مطلقا، كما إن الفرقة ليست شرا مطلقا؛ ولنأخذ بعض
الأمثلة:
1- معلوم
أن ديننا يأمرنا بلزوم الجماعة وعدم الشذوذ عنها- على مستوى الأمة أو مجموعة
المسلمين- صغرت أو كبرت. لكن لو أن جماعة من المسلمين جمعهم مجلس فخاضوا في محرم
كغيبة مسلم أو شهادة زور، ونهاهم أحدهم عن منكرهم فلم ينتهوا، فهل له أن يستمر في
جلوسه معهم أم أنه مأمور بمفارقتهم شرعا؟
2- من
مصلحة راعي الغنم – مثلا- أن تكون أغنامه ضمن قطيع واحد تسهل السيطرة عليه. ومن
حيث حجم القطيع، فإنه كلما كبر كانت فائدة صاحبه أكبر. لكن لو أن مرضا معديا أصاب
قسما منها، فهل سيحرص على اجتماعها في قطيع واحد أم أنه سيضطر إلى عزل الشياه
المريضة عن باقي القطيع؟
لا تربط
الجرباء حول صحيحة ---- خوفا على تلك الصحيحة تجرب
وهذا
الكلام ينطبق على البشر كذلك، فهناك إجراء طبي وقائي يسمى الحجر الصحي، يحجر
بموجبه المصاب بمرض معدٍ حفاظا على سلامة الآخرين. فلو أن لأبٍ أربعة أبناء أصيب
أحدهم بمرض معدٍ، فإنه حتما سيوافق مرغما على حجره (رغم شدة حبه له)، كوسيلة
احترازية من أجل سلامة باقي الأبناء. بل حتى لو أصيب ثلاثة منهم، فإنقاذ رابعهم
أفضل من إصابته معهم. أما إن لم يكن هذا الأب عاقلا، فهذا موضوع آخر.
3- لو أن
جائعا لم يجد إلا رغيفا نصفه عفن ونصفه سليم، فهل من الحكمة أن يتركه على حاله
ليستشري العفن فيشمل الرغيف بكامله أم أن يفصل الجزء السليم عن الجزء العفن
فيأكله؟
4- لو كانت
هناك سفينة في عرض البحر، فلا يمكن لعاقل من ركابها أن يخرقها أو يقتطع منها جزءا،
لأن مصير ذلك غرقه وجميع من عليها؛ ولكن إذا قرر ربان السفينة وطاقمها حرف مسار
السفينة باتجاه جزيرة قراصنة سفاكين، ولاحت للمخطوفين من ركابها الرافضين لعملية
الاختطاف فرصة لاستعمال قارب نجاة للهرب من ذلك المصير، فهل من الحكمة تفويتها؟
هذه
السفينة هي العراق، والربان والطاقم هو المالكي وأتباعه، وجزيرة القراصنة هي
إيران، والمخطوفون من ركاب السفينة هم أهل السنة، والإقليم هو قارب النجاة. وعلى
أهل السنة أن يختاروا – وبلا تأخير - إما قارب النجاة... أو جزيرة القراصنة.
5- سؤال
أوجهه للمفتين بحرمة الأقاليم السنية (استوحيته من الشيخ الدكتور محمد عياش
الكبيسي):
لو أن أهل
السنة في إيران طالبوا بإقليم لهم يخفف عنهم ظلم الحكومة الصفوية، فهل ستطبقون حكم
التحريم عليهم؟ إن قلتم "نعم" فتلك مصيبة، وإن قلتم "لا"،
فلماذا لا تدعون إلى الوحدة مع إيران الشيعية ما دمتم لا ترون بأسا في الشراكة مع
الشيعة في العراق؟ أليس الوحدة مع إيران ستعني نفس "الشراكة" بين السنة-
الشيعة في الوطن الموحد الجديد.. على الأقل لتصبح وحدتنا أكبر حجما وأكثر قوة،
طالما أنكم "وحديون" إلى هذه الدرجة؟
ثم لماذا
لا تتجاوز طموحاتكم الوحدوية حدود العراق لتشمل بلاد الشام والجزيرة العربية وتركيا،
ما دمتم تحرمون التقسيم؟ أم أن وحدة الأمة التي أرادها الله – عز وجل- محصورة
بحدود العراق التي خطها سايكس- بيكو فقط؟
وهنا أعود
لفتوى تحريم الفدرالية لأقتبس منها هذا النص المهم:
يقول الشيخ
المفتي: "... أن التقسيم للعراق طائفياً أو جغرافياً تحت أية ذريعة ومسمى
حرام شرعاً مخالف للنصوص القطعية التي تدعو إلى الوحدة وعدم التجزئة..."
ولي على
هذه الجملة سؤالان:
1- لنفترض
- جدلا- أن دعوة أهل السنة لإنشاء الأقاليم هي دعوة لتقسيم العراق كحل اضطراري
لحفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل (التي هي مقاصد الشريعة)... فهل سيكون
محرما أيضا، أم أن هذه "الذريعة" لا تمثل شيئا - بنظركم - أمام حدود
سايكس- بيكو؟
2- لعل
أوضح "النصوص القطعية التي تدعو إلى الوحدة وعدم التجزئة" التي يلمح
إليها المفتي هو قوله- تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا
تَفَرَّقُوا" [آل عمران:103]
فلو أخذنا
أي معنى من معاني "حبل الله" التي نجدها في كتب التفاسير، وهي:
(الجماعة، دين الله، عهد الله، القرآن، الخ)... فهل الشيعة - الذين يحرم الشيخ
الانفصال عنهم- يشتركون معنا بأيٍ منها؟ وإذا استقرأنا التاريخ وقرأنا مصادرنا
ومصادرهم، ونظرنا إلى واقعنا اليوم، فهل سنجد أن للشيعة عهدا او حرصا على جماعة أو
دين؟ بل حتى كتاب الله نفسه، والذي هو "حبل الله" المتين (كما ذهب قتادة
والسدي وابن مسعود)، هل هم يؤمنون به نصا ومضمونا؟ ألم يؤلف النوري الطبرسي - أحد
أعمدة الدين الشيعي - كتابا ضخما أسماه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب
الأرباب"؟
توصيات:
لا بد
لإخواني أهل السنة في العراق – عامة وخاصة – أن يعوا ما يلي:
1- نحن
كفار بنظر الشيعة، حسب مقتضى "الإمامة" التي هي أهم أركان دينهم.
فاستنادا إلى هذا الركن المخترع، كل من لم يؤمن بأي من الأئمة الإثني عشر، أو يقدم
أحدا على علي – رضي الله عنه – في إمامته فهو كافر. وبما أننا نقول بأفضلية أبي
بكر وعمر وعثمان ونقدمهم على علي – رضي الله عنهم جميعا – في الإمامة، فنحن كفار
تحل لهم دماؤنا وأعراضنا وأموالنا إن تمكنوا، وقد تمكنوا.. فلنستعد إما للسحق وإما
للذوبان في دينهم.. أو الوقوف بوجههم وحفظ ديننا وثوابتنا بأي وسيلة – ومنها
الأقاليم.
2- بما
أننا لا نتفق معهم لا بالأصول ولا بالفروع، فإن الدعوة إلى التعايش معهم هي
كالدعوة إلى وضع الدر والبعر في سلة واحدة.
3- مفاهيم
الوطن والمواطنة والوحدة هي في أذهان السنة فقط. أما الشيعة فوطنهم عقيدتهم، ولذلك
فإن الوحدة والتعايش معهم مع هذا التباين في الأولويات والتطلعات حلم دونه خرط
القتاد.
4- ما سوف
نسأل عنه يوم القيامة هو ديننا وليس حدود سايكس – بيكو.
5-
الفدرالية ليست بالضرورة أفضل الحلول، لكنها أفضل المتاح، ولا ضمانة في أن يحكمنا
- في ظل الإقليم – خيارنا، لكن الضمانة هي أن طالحنا خير من صالحهم (إن وجد).
6- على فرض
أن الفدرالية انفصال، فقوة الكيانات ليست مشروطة بحجمها. فكم من بلد صغير المساحة
لكنه يتمتع بقوة ورفاهية وحياة حرة كريمة؛ وكم من بلد كبير المساحة لكنه هزيل
وشعبه يعيش حياة أشبه بحياة الحيوانات. والأمثلة على الحالتين كثيرة.
7- الشيعة
ليسوا سواءا، وليس من الإنصاف وضعهم في خانة واحدة، فمنهم من هو وطني ومعارض
لسلوكيات حكومته، ويندد بالتدخلات الإيرانية في العراق، ولا شر منه على أهل السنة،
لكن السؤال هو: كم نسبتهم، وما تأثيرهم في المعادلة؟
8- الإقليم
السني – إن تم إعلانه – فهو مظنة وحدة العراق، وليس تقسيما كما يتوهم البعض؛ ذلك
لأن العراق اليوم متجه بكامل أرضه ومقدراته نحو إيران- بجهود أذنابها في المنطقة
الخضراء؛ وانتشال ما يمكن منه هو الخطوة الأولى نحو ضم الباقي. وحتى لو أنقذنا
نصفه أو ثلثه (الذي تمثله الأنبار وحدها) فهو خير من ذهابه كله، فما لا يدرك كله
لا يترك كله (أو جله).
9- ترديد
هواجس التقسيم والخيانة وتنفيذ (مشروع بايدن) لا معنى له، فهذا المشروع التقسيمي
كان ضروريا لأعداء العراق (الثالوث الصفوي- الصليبي- الصهيوني) يوم كان العراق
قويا بمقاومة أبنائه من أهل السنة، ويوم كان المالكي وأمثاله من الخونة في مرحلة
المعارضة التي تسلمت الحكم حديثا وكانت لا تزال مسكونة بهواجس عودة السلطة إلى أهل
السنة. أما اليوم وقد تمكن هؤلاء الأوباش من جمع كامل أطراف العراق ومفاصله، فما
الداعي من التقسيم؟
10-
الفدرالية لا تطبق فقط بين دول تتحد مع بعضها كما حصل في الإمارات العربية
المتحدة، وإنما تطبق كذلك في حالة معاكسة، أي في دولة موحدة تخشى التقسيم والضعف
بسبب تنوع شعوبها ومتطلباتهم، كما حصل في الهند بعد انقسام باكستان وبنغلادش عنها
– كوسيلة لمنع المزيد من الانقسام.
11- في
حالة الحكم المركزي المستبد في بلد متنوع عرقيا ودينيا كالعراق، فإن التقسيم قادم
لا محالة، لأن كل مكون له مطالب وتطلعات تختلف عما لدى المكونات الأخرى، ولا يمكن
تحقيقها إلا بالانفصال – كما حصل في السودان مثلا؛ فلو أن النظام الفدرالي مطبق في
السودان لما انفصل جنوبه ليصبح دولة مستقلة، وقد يكون مرشحا لمزيد من التفتت.
12- يظن
رافضو الفدرالية أن المطالبة بها تحقيق لرغبات أمريكية – إيرانية – صهيونية يقوم
المالكي بتنفيذها من خلال الضغط على المحافظات السنية ليدفعها نحو الفدرالية، والأحداث
التي تجري على الأرض تثبت وهم هذا الطرح؛ فالمالكي يستقتل اليوم – بالقول والفعل-
لإجهاض مشروع إقليمي صلاح الدين وديالى، وما حصل في الأخيرة من تحشيد طائفي حكومي-
مليشياوي ضد مجلس المحافظة يوم إعلانها إقليما خير دليل على ذلك. ولولا كون
الأقاليم في مصلحتنا لما رأينا كل هذه الحملة المسعورة ضدها (إن لم تعرف ما ينفعك
فاعرف ما يضر عدوك).
ومن يظن أن
ايران تريد للعراق التقسيم فهو واهم، لسببين: الأول: هو أن إيران تطمع في ابتلاع
العراق كله لا جزءا منه؛ والثاني: أن إيران تخشى من انتقال "عدوى"
الفدرلة إليها، فهي ليست أقل من العراق من حيث التنوع العرقي والمذهبي، ومكوناتها
ليست أقل من مكوناتنا تضاربا في المصالح وسعيا إلى الانعتاق.
13-
ولبائعي ذممهم من بني جلدتنا الذين يؤثرون دنياهم على دينهم وأخراهم من سياسيين
وشيوخ عشائر وغيرهم، أقول: سوف لن تنفعكم أموال السحت التي يغدق بها المالكي عليكم
مقابل مواقفكم الخيانية. وسوف تدفعون ثمن تآمركم على أهل السنة، ولتجنون ثمرة ذلك
مهانة في الدنيا وعذابا في الآخرة. وتذكروا ضيق القبر وهول المحشر والميزان
والصراط وما بعده، حيث لا مال ولا عقارات ولا مناصب. ولا تأمنوا أن تلقوا حتفكم
بنفس اليد التي تلقمكم السحت، فانحازوا لدينكم وإخوانكم وكونوا صفا ضد عدو الله
وعدوكم قبل أن تعضوا أصابع الندم.
14- إذا
استمر أهل السنة في العمل تحت لافتات عمومية (كالوطن والشعب)، دون إبراز هويتهم
كسنة فلن يحققوا شيئا، وإن حققوا فسوف يجير لآخرين دون استحقاق. مثال على ذلك جهد
المقاومة السنية التي كنا (نتبرع بريعها) لجميع "الشعب العراقي" بضمنهم
من كان يتخندق مع العدو ضدها. ولا يعقل أن يتفاخر أهل الباطل بعناوينهم ونستنكف
نحن من عنواننا الذي هو فخر وعز لنا؛ فيجب أن يكون منطلقنا من عقيدتنا وهويتنا
وليس من عناوين ومسميات أخرى بدعية.
15- عامل
الوقت ليس في صالحنا؛ ففرصة الفدرالية اليوم قد لا نجدها غدا، وهامش الضغط
والمناورة المتاح اليوم قد نعدمه غدا، للأسباب التالية:
أولا:
احتمالية إقدام الحكومة على تعديل الدستور وإلغاء فقرة الفدرالية لحرماننا من هذا
الحق الذي يقلقهم سعينا للحصول عليه. وقد سمعنا المالكي وهو يكاد يفقد صوابه عندما
قال إن الدستور تضمن ألغاما تجب إزالتها (يقصد فقرة الأقاليم) - علما بأنه أبرز
واضعيه.
ثانيا:
استمرار المد الشيعي الزاحف نحو أرضنا، كما يحصل في تلعفر وسامراء ومناطق كثيرة في
بغداد ومحيطها، وبأساليب شتى.
ثالثا:
تنامي قوة الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية والمليشياوية التي هي أدوات
بيد الحكومة الصفوية ضدنا. فإذا كان هذا حالنا مع هشاشة هذه الأجهزة وضعف
إمكاناتها التسليحية، فكيف بنا مع امتلاك طائرات أف – 16 التي ينوي المالكي
شراءها؟ أم أنه سيستخدمها ضد إيران وليس ضدنا؟!
16- أهل
السنة بحاجة إلى مرجعية رشيدة من النخب الذين يجمعون بين العلم الشرعي والفكر
السياسي (فقهاء لا علماء فقط)، ليؤدوا دورهم في توجيه الأمة والنظر في ما يجتاحها
من مصائب - بفكر سليم ورؤية قائمة على الدقة في التوصيف والتشخيص والعلاج، وليس
على أفكار جامدة مهترئة تقدم الطين على الدين والدنيا على الآخرة.
17- أذكّر
إخواني بأن الفدرالية جزء من الحل.... وليس الحل كله؛ فهناك الكثير مما يجب العمل
على تحقيقه كحلقات في سلسلة تمثل منظومة الحل... فعلينا التوكل والسعي، ومن الله
العون والتوفيق، فهو نعم المولى ونعم النصير.
ختاما... لا بد لنا من صحوة قبل فوات الأون.. وإلا
كان مصيرنا أشد من مصير الأحواز سوادا....
"وقل
اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون..." (التوبة: 105)
وصل اللهم
على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-----------------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1) : من
مقالة لنفس الكاتب على الرابط:
(2) : من
مقالة بعنوان: ( الفدرالية أو .. اللامركزية السياسية حفظ لوحدة العراق المهددة ..
وإنصاف لمكوناته المتعددة) للشيخ الدكتور طه الدليمي، على الرابط:
(3): موقع
أهل الحديث، الرابط:
(4) : موقع
أهل الحديث، الرابط:
(5):
اقتباس بتصرف من موقع المسلم:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق